بوتين يسعى لتصدر روسيا سباق الذكاء الاصطناعي

علوم وتكنلوجيا 2024/01/09
...

 بن دوبوف

 ترجمة: شيماء ميران


في مطلع العام 2017، قال الرئيس الروسي بوتين: «من يقود الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم»، لكنْ بعد مرور ستة أعوام، ورغم تركيز القيادة العليا المكثف على الاستثمارات الضخمة من الميزانيَّة الفيدراليَّة والشركات الحكوميَّة، ستبقى روسيا متراجعة بهذا المجال وتعوقها العزلة الدوليَّة وبِنْيتهم التحتيَّة.


السيطرة على الفضاء المعلوماتي

لقد أدرك القادة العسكريون والسياسيون ورجال الأعمال الروس ومنذ فترة طويلة ضرورة السيطرة على الفضاء المعلوماتي لإحكام القبضة الروسيَّة على السلطة. وبعد اندلاع الثورات التي حركتها وسائل التواصل الاجتماعي ضاعفت روسيا جهودها، لكنَّ حربها على أوكرانيا وما ترتب عليها من تأخرٍ بمجال الذكاء الاصطناعي، تضاءلت الفرصة أمام روسيا بسرعة للأخذ بزمام المبادرة.

تفاجأ الزعماء الروس بظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وبرزت مخاطر التكنولوجيا الناشئة بفضل ما أطلق عليه «ثورة تويتر» في «كيشنيناو»، حين منع الحزب الشيوعي المؤيد لروسيا في «مولدوفا» من الفوز بانتخابات 2009 بسبب احتجاجات نُظمت على وسائل التواصل الاجتماعي الأميركيَّة.

ثم اقتنع كبار الضباط الروس بأنَّ وسائل التواصل الاجتماعي تغذي الانقلابات، وعلى حد تعبير «بوتين» فإنَّها تُستفز وتمول من خارج البلاد. ومن وجهة نظر موسكو فإنَّ الغرب شنَّ حرباً إعلاميَّة واسعة النطاق ضد معارضيه، وتجلى ذلك في حركات مثل احتجاجات ميدان «بولوتنايا» (2011 - 2012).

وبعد عامٍ واحدٍ فقط، بدأت ثورة أبحاث الذكاء الاصطناعي تتقدم بنحو متسارع، غزت روسيا حينها شبه جزيرة القرم ودونباس، ما أثار تخوف المتعاونين الدوليين. وبعد حديثٍ طويلٍ عن أهميَّة الذكاء الاصطناعي أصدر الكرملين ستراتيجيَّة وطنيَّة عام 2019 بتخصيص 66 مليار روبل (ما يعادل مليار دولار) لغرض إقامة المؤتمرات وإنشاء شبكات البحث والشراكة مع عمالقة التكنولوجيا المحليين والدوليين.

لكنَّ التقدم الذي حققته روسيا في السنوات الثلاث تبخر، حين غزت أوكرانيا في شباط من العام 2022. ما أدى الى توقف شركة «انفيديا» المصنعة للرقائق الدقيقة الضروريَّة للمعالجات المتقدمة، والهروب الجماعي للمواهب التقنيَّة الى خارج البلاد، وتقييد الوصول الى رأس المال المغذي للنمو الأميركي بهذا المجال بسبب العقوبات. وبينما كان قطاع الذكاء الاصطناعي الروسي في تراجع نتيجة الحرب، أطلقت شركة «OpenAI” ومقرها أميركا برنامج “ChatGPT-3”. 

لقد ركزت روسيا على ستراتيجيَّة الذكاء الاصطناعي في مجال الدفاع والتصنيع والزراعة، وجميعها لا تعتمد كثيراً على الذكاء الاصطناعي التوليدي مقارنة بالصناعات التي تتعامل مع المستهلك، فكان إطلاق برنامج “ChatGPT-3” بمثابة الصدمة، إذ تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي من الإطاحة بالأنظمة بسبب روبوتٍ متطورٍ قادرٍ على إجراء محادثات شبيهة بالإنسان.

سرعان ما حظرت روسيا هذا البرنامج خوفاً من تفسير المدربات على وسائل الإعلام الناطقة باللغة الانكليزيَّة للعالم بذات الطريقة التي يستخدمها مستهلكو الإعلام الناطق بالانكليزيَّة. 

وهذه المخاوف لها تبرير، فالنماذج الحاسوبيَّة لا تعرف أكثر مما تدربت عليه. فعند الإجابة ببيانات باللغة الانكليزيَّة أكثر بعشر مرات من الروسيَّة فحتماً ستكون النتائج مشابهة لما موجود في وسائل الإعلام الناطقة باللغة الانكليزيَّة وينتج عنها متحدثون باللغة ذاتها، ما سيخلق مشكلة أساسيَّة بالنسبة للروس تتمثل بالتحوط من تزايد نفوذ اللغة الانكليزيَّة.


تراجع التصنيف الروسي

ومع أنَّ اللغة الروسيَّة هي اللغة الثانية أو الثالثة الأكثر شيوعاً عبر الإنترنت، لكنها لا تزال تمثل 5 بالمئة فقط من إجمالي اللغات، والفرق بين نموذج على مقياس بيانات بحجم الانترنت الروسي وحجم الانترنت بالكامل هو نفس الفرق بين «ChatGPT-3” والنماذج الحديثة لعام 2019، ولا يزال الأمر غريباً وغامضاً بالنسبة لعلماء اللغة الحاسوبيين عند استخدام نماذج لغويَّة كبيرة، وستتسع هذه الفجوة فقط.

ما يعني أنَّ النماذج الرائدة في روسيا - YaChat من Yandex (المدمجة في مساعد Alisa الحالي)، وGigaChat من Sberbank، وSistemaChat من Sistemma Bank - بدأت في وضعٍ غير مؤاتٍ. إذ يتم تشغيل GigaChat بواسطة 18 مليار عامل، مقارنة بما يقدر بـ1.76 تريليون لبرنامج ChatGPT-4 و175 مليار مؤكدة لبرنامج ChatGPT-3.

يفضل أغلب مدوني التكنولوجيا الروس ChatGPT المنافس الأميركي عند مقارنته بالنماذج المحليَّة، رغم أن َّGigaChat يتفوق على ChatGPT في المحادثات الأطول. لقد أدت العقوبات والعمليات المعلقة الى نقصٍ شديدٍ في الرقائق المماثلة في روسيا، ما أدى الى الحد من كميَّة الطاقة الحاسوبيَّة المتاحة بنحوٍ كبير.

زادت الحكومة من سوء المشكلة من خلال القوانين الصارمة للحد من المعلومات غير المواتيَّة للدولة، فمعظم النماذج اللغويَّة احتماليَّة وليست حتميَّة، ما يعني ليس بالضرورة ان تؤدي المدخلات الى النتيجة ذاتها. فان اي اجابة حساسة سياسيا يجب ان تلغى. 

لا ترفض كل من Alice وGigaChat الإجابة على الأسئلة المثيرة للجدل فقط مثل:”ما سبب العمليَّة العسكريَّة الخاصة؟” بل حتى الاسئلة المهدئة نسبياً مثل: “ما الذي تفعله روسيا لتعزيز أبحاث الذكاء الاصطناعي؟” على النقيض من ذلك، لا يقدم ChatGPT أمراً مماثلاً، ويقدم الإجابة الغربيَّة القياسيَّة باللغة الروسيَّة عندما يسأل باللغة الروسيَّة.

ولكون التوقعات العامة لقطاع الذكاء الاصطناعي في روسيا قاتمة، جعل تصنيف جامعة ستانفورد لمراكز تطوير الذكاء الاصطناعي في العالم تحت النرويج وقبل الدنمارك مباشرة والتي يقلُّ عددُ سكانها مجتمعة عن عدد سكان موسكو. 

وجدت روسيا نفسها متخلفة جداً في سباق تطوير هذه التكنولوجيا المهمة، بعد أنْ شنت حرباً أدت إلى هروب المواهب التكنولوجيَّة، وفرضها عقوبات أدت إلى نقص الأجهزة الضروريَّة، وإصدار قوانين تعيق أي عرضٍ توليدي للذكاء الاصطناعي.

جاءت نتائج الحرب في أوكرانيا عكسيَّة على روسيا، بكل ما يمكن تصوره تقريباً، بدءاً من توسيع حلف شمال الأطلسي الى تأكيد الوعي الوطني الأوكراني، إذ كان بوتين يعتقد أنّ أسياد الذكاء الاصطناعي في المستقبل سيكونون أسياد الكون، فإنَّ إغلاق روسيا لنافذة الحرب الضيقة واللحاق بالركب في الميدان قد يكون النتيجة الأكثر تدميراً على الإطلاق.


عن موسكو تايمز