تمر هذه الأيام ذكرى تأسيس جريدة “الصباح” العراقية في ظروف سياسية محلية وإقليمية ودولية ساخنة ومعقدة، ما يجعلها تواجه تحديات كبيرة تتصل بآليات العمل وتغطية الخبر وإجراء المقابلات الصحفية، ونشر المقالات والتحليلات الفكرية والسياسية المتصلة بالشأن العراقي والإقليمي والدولي ، وأخرى تتصل بقضايا الفكر والتنمية والاجتماع والاقتصاد والسياسية والثقافة ،وهذا يعكس عنوانا لجريدة جامعة متنوعة ،وان تطور هذا المسار يتطلب جهودا مضنية في سبيل تطور الجريدة والارتقاء بادائها لاسيما وهي جزء حيوي من الإعلام العراقي الذي يسعى الى أخذ مساحته الكافية في جذب الجمهور إليه ، ومن اجل هذا ينبغي أن يشق مشروع الإعلام طريقه بما فيه الصحافة الى تأسيس إعلام وصحافة عراقية مميزة في مهنيتها، وحرة في تعبيرها، وهو طموح يقصده الصحفيون ورجال الإعلام الحديث في مختلف البلدان، وبأسلوب علمي ومنهجي ، إذ لا يكتب للصحافة العراقية أو غيرها الاستمرار في عطائها الصحفي ،وان تأخذ حيزها الإعلامي الواسع، على الصعيدين المحلي الإقليمي الا أن تتبع مسارا تعدديا وديمقراطيا يجعلها مقبولة من قبل الجميع، فكل التجارب الصحفية الناجحة في العالم قامت على ذلك وهي ترسخ مبدأ المهنية وتحترم الكلمة الحرة ، فكثير من الصحف العالمية والعربية تمكنت من الاستمرار لعقود عدة وبعضها تجاوز القرن في ذلك، عندما اتخذت لنفسها فلسفة إعلامية حرة، وهي تحترم الرأي الآخر، ولا تقييد حرفيا بأيدلوجية وسياسة نظام أو سلطة ما.
نريد من جريدة “الصباح” أن تأخذ حيزها الوطني وأن تكون منبرا حرا للكلمة المسؤولة التي تحترم إرادة الإنسان العراقي ، وتعبر بشكل جدي عن طموحات العراقيين وتترجم طموحاتهم. وان نرى الجريدة ظاهرة وبارزة على كل الصحف المحلية وهي تشق آفاقها المحلية والدولية بثقة عالية، وهي تتبنى فكراً حراً نيراً ، يقوم على صدق الكلمة، مترجمة مبادئ ونظريات الإعلام ومنهجيته وتقنياته المتطورة بإرادة صلبة.
لا تزال الصحافة في مجتمعنا تواجه تحديات ضخمة ،ولاسيما عدم وجود ستراتيجية تخطيطية لوضع الصحافة في نصابها الطبيعي في الإعلام الحر، فالقارئ لم يعد يقبل المعلومة المؤدلجة أو التي تنهج نهجا أحاديا يخدم سلطة أو توجها من التوجهات، فالإنسان في عصر الاتصالات والمعلوماتية يريد أن تكون صحافته بمستوى التحولات المعرفية الجارية في عصرنا الحاضر، وهذا لا يتم إلا برسم ستراتيجية تطورية لجريدة طموحة كجريدة “الصباح” كي ترتقي بحالها الى مستوى يليق بها ،ما يثير هذا فينا الطموح لكي نرى جريدتنا وهي تستقبل عيدها القادم ، وقد وضعت قدمها في سلم الصحافة المتطورة وقد أخذت دورها المناط بها في مواجهة التحديات المختلفة بثقة عالية.
إن تحقيق مستوى مقبول في هذا المجال يمكن أن يبدأ بتطويق عوامل الضعف التي تنتاب مسيرتها اليومية ، وهي تمارس حقها الاتصالي وتعزز حريته ، بما يجعلها بمستوى التحديات التي تحيط بالعراق في المرحلة الحالية، موظفةً مقالاتها السياسية والثقافية في خدمة الإنسان العراقي هادفة الى تنويره بما يمكنه في تنمية حياته الاجتماعية والثقافية والاجتماعية بالاعتماد على متخصصين في مجال الإعلام، فضلا عن الاستعانة بالتخصصات الأخرى في رفد الجهود الجارية في عملية التحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، بما يضمن رقي الجريدة ورفع مكانتها في عالم الصحافة.
إن احتفالنا بصحيفتنا يدعونا الى العمل معا من اجل أن يرتقي عملها الصحافي الى مستوى مكانة العراق الحضارية، وتاريخ صحافته الطويل والعامر بالمنجزات . وهذا الطموح المشروع ينبغي أن يتعدى التمنيات والأحلام الى مستوى اعلى يتناسب وحجم ومكانة الجريدة اليوم بين الجمهور، لا سيما وهي جريدة الدولة الرسمية، ولا يفوتنا القول في هذا المجال، بان الدعم الحكومي لها ينبغي أن يقترن ببذل جهول متواصلة من اجل الارتقاء بها على الأصعدة كافة، وهذا لا يأتي بكلام وكلمات الإعجاب أو النقد ، إنما ينبغي أن يؤسس ذلك على عمل رصين ، وبمستوى عالٍ من المهنية، وهو بحد ذاته عامل نجاحها الأساسي لا سيما أنها تضم عاملين أكفاء من أصحاب فكر وثقافة وتقنيين متميزين ، ما يعزز من مكانتها ، ويفتح امامها آفاق التعاون مع مفكرين مرموقين وفنانين وشعراء وكتاب مميزين يدونون الحقيقية، ويعالجون مشكلات عراقية ويرسمون ملامح الثقافة والفلكلور العراقي، فضلا عن استشراف آفاق التطور الحضاري والتنموي المستقبلي في عصر من اعقد العصور تقنيا وأكثره قدرة على نشر الخبر الى اوسع نطاق وإيصال مقالاتها الى العالم ، لاسيما ان الانفتاح والتقدم التقني الإعلامي قد كسر الحواجز وتجاوز خطوط الطول والعرض، وهو ما يرفع طموح الإعلام والصحافة العراقية كي تتطور بخطى سريعة نحو بناء صرح صحفي عراقي ناصع تكون جريدة “الصباح” في
طليعته.
في هذه المناسبة لا يمكن إلا أن نبارك لكل العاملين في جريدة “الصباح” من رئيس التحرير نزولا الى العاملين كافة وبمختلف مواقعهم، ونحن في الوقت نفسه، نصبوا الى أن تأخذ الجريدة مداها الذي تستحقه،وهي تتحمل مسؤولية ترجمة حضارة العراق للعالم، وتؤكد مكانته تاريخيا على المستويين الإقليمي والدولي.