لا مرجان في رمضان .. ولا قبله!

آراء 2019/05/21
...

عبدالامير المجر 
طرح فيلم (مرجان احمد مرجان) للمخرج علي ادريس، مسالة الفساد المستشري في مصر ..  الفيلم انتج  في العام 2007 أي قبل الثورة الشعبية التي اطاحت نظام مبارك، وقد حقق نجاحا كبيرا في حينه ومازال يستهوي المشاهدين، الذين يتابعونه من خلال الفضائيات الفنية التي تعيد عرضه باستمرار ..  
نجاح الفيلم، الذي لم يأت بجديد على مستوى الفكرة، يعود لمعالجته قضية الفساد بطريقة مبتكرة، ومن خلال الكوميديا المعبرة والراقية .. خلاصة قصته التي كتبها يوسف معاطي، تقوم على صناعة شخصية اخطبوطية (مرجان احمد مرجان – عادل امام) تصل بمخالبها الى مختلف الفعاليات الحياتية في مصر، السياسية، الثقافية، الفنية، الرياضية، بالاضافة الى التجارة وعقد الصفقات المشبوهة التي يوفرها له نفوذه المالي الكبير، المتأتي اصلا من الفساد .. اهمية الفيلم تكمن في كونه وزع الادوار الاجتماعية بطريقة مدروسة وذكية تماما، فالفساد المتمثل بمرجان احمد مرجان، الساعي الى السيطرة على مقدرات الدولة، وصولا الى الاستحواذ على روحها المتمثلة في الفيلم بالاستاذة الجامعية (جيهان - ميرفت امين) لم يحقق اهدافه، وان بدت النهاية توفيقية .. وعلى الرغم من قوة نفوذ الفساد وتغلغله في نسيج المجتمع، يبقي مؤلف العمل، الأمل في بقاء مصر قوية ونقية، من خلال اولاد مرجان، (علياء وعدي)، بوصفهما صورة المستقبل، واللذان يعارضان ابيهما في سلوكه المنحرف وينحازان الى استاذتهما التي تمثل النقاء والفضيلة، وبذلك نجح الفيلم في ايصال رسالة مزدوجة ومهمة، مفادها بان الفساد موجود ويجب التصدي له، لكن روح الشعب تبقى اقوى من كل محاولات التخريب، الذي يسلط الفيلم الضوء عليه بطريقة فنية راقية ومشوقة. في رمضان هذا العام، كما قبله، عرضت بعض القنوات الفضائية العراقية اعمالا فنية، او توصف كذلك، بعضها لم يحقق شيئا يذكر، وبعضها لفت الانتباه نسبيا، وبعضها الاخر، كان محط انتقادات واسعة، توزعت بين المستوى الفني الهابط والخروج على الذوق العام او اساءتها الى المجتمع! من خلال تصويرها القاع بطريقة مباشرة وفجة ومن دون معالجة فنية راقية ومؤثرة. فكانت هذه الاعمال، مادة لمستخدمي موقع التواصل الاجتماعي، الذين تاه اغلبهم وسط فيض انفعالاتهم، فخرجنا من تلك المنشورات مثلما خرجنا من تلك الاعمال، من دون مقولة مهمة.  
 مشكلة الفن عندنا، مركبة ومن الصعب تحديد سبب واحد لها، كونها افراز لواقع سياسي مرتبك، ليس على مستوى الاداء الفاشل للمؤسسات بشكل عام، وانما بفعل تناشز رؤى الساسة والقوى الناعمة المؤثرة في عراق مابعد 2003، ومواقفهم تجاه الكثير من القضايا المهمة في تاريخ العراق القديم والمعاصر، والتي تمثل المادة الاساسية للادب والسينما والدراما، وهذه القضايا اصبحت لدى بعض الساسة وتلك القوى، بمثابة رأسمال رمزي يجب توظيفه لاهدافها، لذا انتجت اغلب الاعمال الفنية، سواء درامية او سينمائية، تحت هذا المزاج السياسي او تاثرت به، فجاءت في اغلبها تعبوية او مباشرة، ولم تقدم للمشاهد شخصية مركبة، تستبطن الحمولة الحقيقية للانسان العراقي وهو يكابد الاحداث التي مرت، او تستشف مواقفه منها بموضوعية، بعيدا عن اسقاطات الاهواء والميول الشخصية، لاسيما ان الكثير من تلك الاحداث لم تتطابق نظرة الناس اليها في حينه، وظلت كذلك الى اليوم، واغلبها أثرت بقوة  في حياة العراقيين وصنعت مصائرهم. اضافة الى ان بعض الجهات سعت، مستغلة فسحة الحرية وغياب الرقابة، الى تمرير مقولات معينة، جهوية او ثقافية فكرية، لتكريس موقعها في التاريخ من خلال الدراما والسينما، وبذلك اصبحت كتابة كل حادثة بذمة الميول المتعددة، ولم يحصل اجماع ولو نسبي تجاهها .. لكن هذا كله يبقى في كفة وغياب كاتب الدراما الحصيف والمحترف في كفة اخرى، اذ يفتقر العراق لهذا النوع من المبدعين بشكل غير مسبوق، لاسيما بعد ان انكفأ البعض من الكتاب تحت ضغط هذه النمطية المفروضة، وضعف امكانيات الانتاج، سواء للقطاع الخاص او العام، وفي النتيجة وجدنا انفسنا امام اعمال هابطة في مستواها الفني ومرتبكة في مقولاتها.
 هل سننجح في صناعة سينما ودراما ذات وزن ثقيل مستقبلا؟ .. اعتقد ان هذا يتحقق في ظل واقع سياسي اقل تجاذبا، واكثر موضوعية في قراءة التاريخ، بعيدا عن اية رؤية احادية،  فرضت بشكل او بآخر على بعض الكتاب الذين انجروا لمحاكاة السياسيين في رؤاهم، فوقعوا في المطب واوقعوا الدراما والسينما معهم ايضا!.