السلوك الجمعي السلبي

اسرة ومجتمع 2019/05/21
...

   ميادة سفر
تنتشر العدوى الاجتماعية أو ما يعرف بالسلوك الجمعي السلبي، كانتقال الجراثيم والفايروسات في الهواء، وهو مصطلح يشبه بشكل كبير مبدأ العدوى وانتقال الأمراض في الطب، فمثلما هناك سلوكيات من الشخص المصاب بمرض معد تؤدي إلى انتقاله إلى الأشخاص السليمين، كذلك يؤدي سلوك جماعة ما داخل المجتمع إلى التأثير في جماعة أخرى وجرها إلى تبني أفكارها وتغيير سلوكها وقيمها، يؤدي ذلك إلى فقدان المجتمع لهويته، ويتحول بعض التصرفات المستهجنة إلى محمودة ومقبولة اجتماعياً، من منطلق الحرية الشخصية.
تندرج أفعال كثيرة تحت مسمى “السلوك الجمعي السلبي”، حتى تشكل عادات اجتماعية يصعب التخلص منها، ويصبح النقاش فيها أمراً مرفوضاً، فتختل القيم الاجتماعية لدرجة التشوه أحياناً، ويتحول كل رافض لها إلى منبوذ من الجماعة وشخص غير مقبول اجتماعياً، لذلك يغدو الخوف من نظرة المجتمع للشخص المختلف الذي يحافظ على خصوصية ما، وانصهار الفرد في الجماعة، من العوامل التي تسهم في تفشي العدوى وانتشارها، وقد رأى غوستاف لوبون صاحب كتاب “سيكولوجيا الجماهير”: (ان العدوى من القوة بحيث أنها تفرض على البشر حتى المشاعر والأحاسيس، بل وتنتشر العقائد بواسطة آلية العدوى وليس المحاجات العقلية).
يغدو التكرار عاملاً أساسياً في ثبات وديمومة أي سلوك تعتمده الجماعة، فيتحول بمرور الزمن إلى علامة فارقة تتسم بها بعض المجتمعات، وإن نحن أمعنا النظر في مجتمعاتنا العربية، سنلاحظ الكثير من التصرفات التي تحولت إلى عادات جماعية تنتقل من جيل إلى آخر، وثمة أمثلة كثيرة على ذلك، فهناك التدخل في شؤون الآخرين والحشرية والكلام الزائد العديم الفائدة الذي يمارس لملء الوقت الذي لا قيمة له عندنا، فضلاً عن عدم احترام المواعيد، والتأمل والاعتماد على الغيب لتلبية طلباتنا، كل هذه وغيرها تحولت بالعدوى إلى سلوك جماعي وَسَمَ المجتمع العربي، وهو ما انعكس سلباً على حجم التطور والتغيير الذي كان من المفترض أن نواكبه أكثر مما نحن عليه اليوم.
اليوم تشكل وسائل التواصل الاجتماعي والتطور التكنولوجي، مسرحاً مفتوحاً للسلوك الجمعي السلبي أكثر من الإيجابي، وانتشار الأفكار والتصرفات بسهولة أكبر مما كانت عليه في السابق، نظراً لسهولة وسرعة وصولها، فيندفع الأفراد وينجرون وراءها، حتى أن البعض يرى نفسه غريباً عن المجتمع إن لم يجار الآخرين بما هم فيه، وبالتالي لا يتطلب انتقال الأفكار وأحياناً المشاعر والعواطف التواجد في مكان واحد، بل يمكن أن يتم بتأثير بعض الحوادث والأحداث، ولعل أخطر ما حصل لنا، انتشار الأفكار المتطرفة والإرهابية والطائفية بشكل لافت، لاسيما أنها تنطوي تحت ستار الدين الذي لا يقبل النقاش من قبل البعض في كثير من الأحيان، فتغيرت القيم التي كانت تحكم وتتحكم في أخلاق الشعوب، وتحول الآخر المختلف إلى عدو يحلل قتله.
حين يتوقف الإنسان عن تشغيل عقله، وإمعان التفكير والتمحيص ونقد ما يصل إليه، فإنه سيبقى على هامش الحياة، تاركاً للآخرين قيادته وفقاً لأهوائهم وتصوراتهم وإيمانهم، وإن لم يتمكن من الارتقاء بتفكيره وبذاته وشخصيته، ويمتلك القدرة على تحليل الواقع الذي يعيشه بكل جوانبه قديمه وجديده، ستبقى المجتمعات ضحية للأفكار التافهة العديمة الأهمية، والمؤذية في كثير من الأحيان، لذلك إنَّ التحرر من القطيع يصبح خطوة ضرورية، لاسيما إذا كان لمخزونه الفكري صدى يمكن أن يحدث تغييراً إيجابياً في مكان ما.