إذا الشعبُ أراد الحياة .. في السودان!

آراء 2019/05/22
...

عادل العامل
 
لم يحدث طوال المئة سنة الماضية ما يؤكّد مصداقية قول الشاعر التونسي الشهير:
        [إذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياةَ      فلا بُدَّ أنْ يستجيبَ القدَرْ] 
مثل ثورة السودانيين المشتعلة اليوم في كل مكان من هذا البلد الذي ملأ الدنيا وشغل الناس طوال الأشهر الستة الأخيرة بالرغم من كل الأحداث الساخنة الجارية هنا وهناك وقعقعة الحرب الاستعراضية الشغّالة في المنطقة.  وقد يقول قائل: وماذا عن ثورة أوكتوبر الاشتراكية في روسيا عام 1917، وثورة 1919 في مصر، وثورة العشرين في العراق، وثورة كوبا في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي وغيرها، فأقول إن ما يميّز الثورة السودانية الراهنة عن تلك الثورات ويجعلها حدثاً فريداً من نوعه:
•إنها لم تستخدم السلاح في نضالها وإسقاطها النظام الاستبدادي الحاكم بالرغم من وحشية ذلك النظام وطغيانه وتسلطه على مقدرات الدولة طوال ثلاثين عاماً.
•إنها من دون قيادة معينة أو إيديولوجيا أو دعمٍ إقليمي أو دولي. 
•إنها استقطبت كل فئات الشعب السوداني من البسطاء والمهنيين والمثقفين والسياسيين نساءً ورجالاً شبّاناً وشيوخاً، عدا فئة ضئيلة من زمرة الطاغية البشير والمنتفعين من نظامه الإسلاموي البائس.
•إنها ثورة “غوغاء” حقيقية، بالمعنى الطبقي والاجتماعي المحترم لكلمة غوغاء، تذكَرنا بثورات شعبية من هذا النوع في تاريخنا القديم، كثورة الزنج والقرامطة والصعاليك، ومن وصفهم مؤرّخو الحكّام العباسيين بالشطّار والعيّارين في بغداد حين اضطربت أحوال الناس المعيشية أيام فتنة الأمين والمأمون وخلفاء آخرين.
•إنها لا تهادن أو تُخدع أو تتراجع عن طروحاتها الأساسية، بعد أن جرّبت ممارسات الأنظمة العسكرية وسلوكيات الأحزاب التقليدية، وتعرف تماماً حقيقة وخلفية المجلس العسكري الانتقالي الحاكم الآن الذي يناور ويحاول التلاعب بها، وتتعامل معه على هذا الأساس. وهي تدرك جيداً أنها لو أذعنت لمطالبه “العقلانية” فإنها ستسمح بتكرار ما عانى منه الشعب وأذعن له لعقودٍ طويلة أخرى. 
•إنها تعتمد في قوتها وفرض إرادتها الثورية على تكتيك بارع وشجاع، من خلال الحشد الجماهيري المتواصل والمتصاعد رغم صعوبة الحياة المعيشية اليومية والتضحيات الكبيرة، ومؤامرات القوى المضادة، ومنها ما هو ممثَّل في المجلس العسكري الحاكم ويتربض بها الدوائر للقفز على السلطة. 
وهذه سمات تنفرد بها الثورة السودانية بامتياز، وتجعل منها تجربةً تصلح أيضاً لأن تكون أنموذجاً يُقتدى به في نضالات الشعوب الأخرى عندما يستعصي عليها تحقيق مطالبها الأساسية من خلال التظاهر التقليدي واستجداء السلطات أوالضغط الناعم عليها والتعبير عن آرائها ومظالمها عبر وسائل التواصل ومنابر الإعلام المختلفة.
تحيةً للشعب السوداني الشجاع، الذي فاجأ العالم بثورته المنقطعة النظير، وأظهر جوهره الحقيقي، وقدّم تجربةً فريدة بنكهة سودانية مميّزة يمكن تطبيقها مع هذا في أي مجتمع تنقطع به سُبُل الكفاح الموفَّق وتحقيق أهدافه الوطنية المشروعة.