الأسرة الإرهابية..قراءة في تجربة الباغوز

آراء 2019/05/22
...

عقيل حبيب
 
تعد الأسرة الخلية الأولية أو الأساسية في المجتمع، ولها دورها في تكوين المجتمع والنشاط الاجتماعي ماديا واقتصاديا وتربويا ودينيا وعقائديا. وبما أنها المكون الأساسي للمجتمع فعليها تلقى مهمة تنشئة الأفراد اجتماعيا وتمرر اليه ثقافة ذلك المجتمع، وما يؤمن به من معتقدات وافكار. لذا فيعرفها علماء الاجتماع بانها الجماعة الانسانية التنظيمية المكلفة بواجب استقرار المجتمع وضبط نمو الفرد واخلاقه، لهذا فحين تؤمن الأسرة بقيم العنف والتطرف فالنتيجة ستكون
 كارثية. 
فالفرد الذي وصل الى مواقفه المتطرفة بفعل الاسرة سيكون ما يؤمن به اشد واصعب على التغيير من الفرد الذي تأر بالمجتمع (جماعة مرجعية، اصدقاء...). أحداث جزيرة جافا باندونيسيا في 13- 14 أيار عام 2018 حيث قامت أسرتين تابعتين للتنظيم بتفجيرات متتالية في ثلاث كنائس ومقر للشرطة، واحدة من الأسر اصطحبت طفلا لم يتجاوز عامه الثامن، كشفت عن امتداد الفكر الداعشي الى الأسر، وتغلغله بين افرادها. وقبل هذه الأحداث قامت العراقية ساجدة الريشاوي وبصحبة زوجها علي حسين الشمري بتفجيرات عمان 2005 وكان اخوها ثامر الريشاوي احد قيادات القاعدة في العراق قد قتل وعدد آخر من افراد اسرتهم وابنائهم في المعارك ومنهم عمر الريشاوي، وياسر الريشاوي. كذلك هناك مثل آخر على امكانية استغلال افراد الأسرة من قبل التنظيمات الارهابية وخاصة داعش، وهي اعتماد بوكو حرام - والتي بايعت داعش – على استخدام الأناث بالتفجيرات الانتحارية، واللواتي لم يبلغ بعضهن سن
 الرشد.
بالنسبة للتنظيمات الإرهابية ظلت الأسرة احد اهداف ادارته للتوحش، فقراءة خطاب الجهادي السلفية سنعرف انه لو كانت كل اسرة لا تقدم احد ابنائها (للجهاد) بل تكون كلها اسرة (مجاهدة) تمارس (إرهاب اسري)، وحين تمكن داعش من حكم المناطق التي استولى عليه في العراق وسوريا عمل على تجنيد افراد الأسرة بما فيهم الأطفال، وليس فقط البالغين، وادخلهم معسكرات واشرك بعضهم بالقتال وتنفيذ عمليات انتحارية مثل تنظيم (أشبال الخلافة)، وأسس تنظيمات قتالية خاصة بالنساء (كتيبة الخنساء) بعد ان كان دورهن مقتصرا على بعض المهام كتهريب النساء من تركيا أو مفارز الحسبة.  
ظاهرة (الأسرة الإرهابية) التي ينتمي جميع افرادها الى التنظيم ويؤمنون ايمانا راسخا بالتنظيم ولديهم خبرات قتالية ولوجستية عالية، ويسلكون كوحدة واحدة لتنفيذ ما يصدر إليهم من الأوامر يضيف اشكالا فكريا وأمنيا جديدا عما كان عليه حال تلك الأسر قبل الباغوز. سنكون امام تحدٍ امني (امكان ان تتحول هذه الأسرة الى خلية نائمة) وقانوني كبير يتركز في كيفية التصرف مع نساء واطفال هذه الأسرة، هل الحكم عليهم كإرهابيين؟ ولكن بعض النساء وخاصة ممن ينتمين الى دول اخرى لا تطبق عليهم قانون الإرهاب العراقي واللواتي سيتم تسليمهن الى بلدانهن حيث لن تتم محاكمتهن على اساس انتمائهن للتنظيمات الإرهابية، خاصة وانهن لحقن بازواجهن ولم تثبت ارتكابهن لفعل ارهابي في تلك البلدان، ولا يوجد اي دليل على قيامهن بافعال ارهابية حتى في بلدان العراق وسوريا، فكيف في بلدانهن الأصلية؟ بعض الدول حاكمة هذه النوعية من النساء بقضايا قانونية تتعلق بتجاوز الحدود من غير موافقات رسمية، هل هذا يكفي مثل هذا الحكم عليهن؟ على ما يمكن، بل ومن المؤكد انهن ارتكبنهن؟ ستواجه العالم مسألة جديدة غاية في
 الصعوبة.
بالإضافة الى مشكلة هؤلاء النسوة هناك معضلة الأطفال، وهي اكثر تعقيدا من الأولى، وسيظل مصيرهم مجهولا. كيف سيتم التعامل معهم قانونيا وامنيا؟ فهم ولكونهم لا زالوا مجرد اطفال صغار لا يمكن الحكم عليهم بأي حكم ادانة، وفي نفس الوقت سيظلون برفقة امهاتهم المتشبعات بالفكر التكفيري الإرهابي، بالاضافة الى كونهم هم ايضا تم اعدادهم ليكونوا (قنابل موقوتة)، وهو نفس الخوف المتولد من وضع النساء، فاذا ما لم تتم محاكمتهن وفقا لقانون الإرهاب من يضمن تخليهن عن التنظيم سواء فكريا أو تنظيميا وعدم قيامهن بافعال ارهابية؟ من يضمن عدم تحولهن الى ظاهرة جديدة (الذئبات المنفردات)؟ في ظل رفض العديد من الدول وتلكؤ اخرى في استلام رعاياها الاهابيين، وغموض مواقف دول اخرى، كل تلك العوامل اضافت اختلافا مفاهيميا في تعريف هوية هؤلاء الذين لا يزالون يشكلون كتلة مخيفة لم نتعرف على تفاصيلها للآن، وبالتالي يشكلون عبئا قانونيا وأمنيا جديدا رفع من خطورة ظاهرة (ارهابيي
 الباغوز).
تشعب قضية الباغوز وتعقدها، وعدم تمكن الجهات التي تسلمت افرادها المتورطين وهم الحكومة العراقية وتنظيم قسد، جعل هذه القضية خارج حدودها المحلية أو الإقليمية، ووجوب طرحها على طاولة المجتمع الدولي، فلربما لا تكفي القوانين المعمول بها في الدول المعنية للنظر بها، لذا فهي ربما ستحتاج الى تشريع قانوني جديد خاص بها! ، بغير هذا الإجراء لن نمنع التنظيم الارهابي من النمو ثانية، ولن يكون أي معنى للنصر المكلف الذي تحقق عليه، فهزيمة الفكرة أهم من الهزيمة في القتال.