حارث رسمي الهيتي
لم يمنع نفسه وهو يتابع الأخبار ويسمع عن وصول حاملة الطائرات الأميركية “ أبراهام لينكولن “ إلى المنطقة ويسمع عن القوة التدميرية الخاصة بها من أن يتفحص بعينيه اولاده الأربعة، يتنقل ببصره بينهم، محاولاً رؤية مستقبلاً كان يحلم به أن يكون آمناً لأبنائه، تفحصهم وهم يجلسون أمامه وينشغل كل منهم بما يخصه، الا انه اطال النظر الى احدهم، ذلك الشاب المقعد الذي بترت ساقه بانفجار ما في يوم أسود من تلك الأيام السود التي حلت على بغداد ذهبت عيناه باتجاه صورة كان قد علقها في واجهة الغرفة لأبنه البكر، ذلك الشاب الوسيم الذي حرقته طائرات التحالف الدولي حين انسحب الجيش العراقي من
الكويت .
الكثير من هذه المشاهد والذكريات ـ أستطيع وانتم كذلك أن تتصوروها ـ مآسٍ كبيرة وقصص عديدة وويلات من تلك التي ينفلق الحجر اذا ما سمعها ، اتصورها وأنا اتابع بحرص شديد كل نشرات الأخبار والتقارير التي تتحدث عن خيار قيام ضربة عسكرية تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد النظام في ايران.
معلومات ينقلها مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكية الى عدد من المسؤولين العراقين تفيد بأن مجاميع مسلحة قريبة من طهران تسعى لاستهداف مستشاري بلاده المتواجدين في العراق، مثل هذه الحجة واضحةٌ اهدافها والمراد منها أن يحدد العراق موقفه من الصراع المحتمل.
ناهيك عن معرفة الامريكان الوثيقة بحجم التأثير الايراني في الحكومة العراقية وقراراتها، القلق الذي ينتابني مرجعه ان انقساماً تشهده الأحزاب و الكتل السياسية من الأزمة، نعم التوجه العام هو بتحييد
العراق.
والقول بعدم السماح بأن تستخدم الاراضي العراقية كمواقع تنطلق منها ضربة عسكرية ضد دولةٍ جارة، ولكن هناك عددا من الفصائل المسلحة وكتلها في البرلمان ممكن ان تساند الجانب الايراني، وهذا ما لا تسمح به الولايات المتحدة خاصة ونحن نتحدث عن ثماني قواعد عسكرية للقوات الأمريكية في العراق وما لا يقل عن 14 الف جندي امريكي وبعض التقارير تقول بأن العدد أكبر من
هذا.
وتلوح تلك الجهات بأن الوقوف مع الجانب الايراني يأتي من باب رد الجميل لما قدمته ايران للعراق اثناء حربه مع داعش ، كتل أخرى تقف على نقيض تلك الاولى ، وتعلن انها لن تكون من ضمن سياسة المحاور والاصطفاف مع جانب ضد
الآخر .
شعور القلق عندي مرجعه ان الخطاب الدبلوماسي الذي يتبناه العراق منذ اندلاع الازمة لا يجدي نفعاً وهو بالتأكيد مرفوض من قبل ايران والولايات المتحدة ، على الارض امام الحكومة العراقية اذا ما تمسكت بخيار الحياد - وهذا أمر صعب - ان تعمل على اقناع الامريكان بعدم استخدام قواتها في العراق وقواعدها لشن هجمات وتوجيه ضربات باتجاه ايران ، بالمقابل عليها ايضاً ان تتحدث بصراحة للجانب الايراني بأن القوات الامريكية والقواعد التابعة لها في العراق جاءت نتيجة اتفاقية امنية وبطلب من الحكومة العراقية عندما سيطرت عصابات على ثلث مساحة العراق واصبحت قاب قوسين او ادني من العاصمة بغداد ، واي استهداف لهذه القوات من قبل ايران او اذرعها التي ستتحرك بالتأكيد سوف لن تسكت عنه الولايات المتحدة . فكيف ستوفق الحكومة العراقية بين كل تلك التناقضات وتضارب المصالح ؟!!
الأزمة معقدة، والأكثر تعقيداً هنا هو وضع العراق وموقفه ، فالحديث عن حياد سيمارسه العراق ما هو الا “ عبط “ سياسي لا تصدقه اي من الاطراف المتنازعة ولا حتى الحكومة العراقية
نفسها .
المخيف بالموضوع هي الاخبار التي تقول ان العراق سيكون ساحة لهذا الصراع في حال قيامه، او أحدى ساحات هذا الصراع عسكرياً كان ام اقتصادياً ، اما سياسياً فالعراق يشهد صراع بين المعسكرين منذ اكثر من عقد من الزمن ويرافقنا الى
اليوم .
ما يتطلبه الوضع الآن هو التفكير بما يخدم العراق وشعبه ليس الا، بعيداً عن المجاملات والشعارات والولاءات، ان الجميع من الحكومة العراقية و مجلس النواب كتلاً وشخصيات عليهم الجلوس والخروج بعد الاتفاق بقرار حكيم يجنب بلدنا الخطر أو يحد منه بعيداً عن المصالح الخاصة بهذه الجماعة أو تلك و التفكير بمصلحة هذا البلد ... وهذا ما لا أتوقعه !!