«صباح الخير علاوي الحلة» .. السيناريو المحايد

ثقافة 2019/05/25
...

       مهدي القريشي 
 
 
قليلة جداً هي كتب السيناريوهات السينمائية عربياً، وان اصحاب  دور النشر ينظرون الى الكتاب كونه سلعة تدر أرباحاً ، ولان القارئ العربي يجنح الى الأعمال الادبية والفنية الجاهزة الصنعة عاطفياً. لذا تبقى كتب السيناريو بعيدة عن اهتماماته وهكذا لا تصلح هكذا كتب الا كنماذج لطلبة السينما في كليات الفنون الجميلة ،  رغم ان هناك سينايوهات معدة  للقراءة كعمل ادبي كما  بعض المسرحيات ، لكن المخرج حسين السلمان غامر وقدم لنا هذا الكتاب  ونحن بدورنا نقدمه للقارئ فكانت هذه القراءة في كتابه “صباح الخير علاوي الحلة” . 
السيناريو باختصار شديد هو فيلم على الورق ، قد تستغرق كتابته عدة اشهر وقد يصل الى السنة حتى يقتنع السيناريست بأن عمله تم ومن الممكن ان ينفذ كفيلم سينمائي ، بمعنى اخر هو ترتيب صوري لإحداث قد تكون قيد فكر المنتج او مستوحاة من رواية او قصة او حتى فكرة عابرة ، لم  يكن هذا التسلسل الصوري عائماً فقد تتخلله الكثير من صور الخيال والفنطازية واللامعقول والحركات  غير المحسوبة والمفاجآت الصورية الاخرى . 
من هذه المقدمة البسيطة عن مفهوم السيناريو السينمائي ومن خلال قراءة لكتاب “ صباح الخير علاوي الحلة “ للمخرج والكاتب حسين السلمان والذي  يحمل عنوان السيناريو الاول أيضاً في الكتاب ، يظهر جلياً ما للمكان من أهمية  واستنباط من خلاله نوعية الحوار ومكانة الشخوص  ، بالوقت الذي يفتح للمخرج أفاقاً  كبيرة للرؤية الاخراجية.
 حسناً فعل الكاتب حين اختار اسماء شخصيات السيناريو الرئيسية بدقة متناهية وبقصدية رغم انه يعلم ان هكذا اطروحات قد تسبب له بعض الإشكاليات على المستوى الاجتماعي ، فأبطاله مجموعة من أطفال مشردين يمتهنون الكدية كمهنة ظاهرية أولية لكن بعضهم يمارس اضافة الى الكدية ممارسات اخرى كالسرقة مثلاً، لكن المثير في الكتاب والذي يتكون من (١١) سيناريو ، ان اسماء هؤلاء الشحاذين تحيلنا الى مكون بشري واحد من مجموع الفسيفسائية العراقي ، وان هذا الاختيار لاسماء ابطال السيناريو لا يشفع له كون هذا المكون قد عانى شظف العيش وفقر الحال وظلمات السجون والمعتقلات والموت المجاني والإهمال المتعمد اضافة الى كونهم جزء من حطب الحروب العبثية للسلطة قبل ٢٠٠٣ ، صحيح ان هذه الشريحة كانت تحلم بتغيير في بنية المجتمع السياسي معتقدة  انه  بعد ان يصبح حلمها حقيقة سوف تنال  حريتها كاملة غير منقوصة وتشارك  مع ابناء شعبها في بناء الوطن ، كل هذه الأحلام باءت بالفشل وأحبطت وبقيت هذه الجماهير الحالمة تعيش في قاع المدينة او في هامش القرية . من هذه الشريحة استل الكاتب حسين السلمان شخوص السيناريو . 
ومن خلال تصفح هذه الأسماء سوف نتعرف الى من  ينتمون ابطال فيلمه المرتقب انهم ( جواد ، كاظم ، صادق ، سجاد ، علاوي ومن خلال تراكم الأحداث سنتعرف على كنى هذه الشريحة التي اتخذت من كراج العلاوي  المزدحم مأوى وعملاً وعلاقات فكاظم يسمى كاظم مَحفَظة  لاختصاصه في سرقة المَحَافظ   ، علاوي يسميه أصدقاءه علاوي خلاعة كونه متخصصاً في بيع المجلات الخلاعية ، وحيدة الوسخة للرثاثة التي تعيش فيها ، صادق كذاب يكذب على الناس بان رجله مبتورة ... وهكذا ، انتشلهم الكاتب من قاع المدينة كما يسميهم ماركس بالبروليتاريا الرثة ويصفهم ( انهم الفئة التي تقع خارج علاقات الإنتاج الرئيسة في المجتمع فهي لا تمتلك وسائل الإنتاج ولا تبيع قوة عملها وهي توفر العيش لنفسها عن طرق مشبوهة مثل السرقة والدعارة والقمار والتهريب والقتل والسلب وغيرها ) وهذه الفئات موجودة في كل المجتمعات وفي كل العصور كما هي موجودة في كراج العلاوي وان مثل هذه الكتابات  الجديدة التي تعتمد على مثل هذه الشخصيات ( الحثالة ) قد راجت وانتشرت تحت مسمى كتابات ما بعد الحداثة والتي من أولى أهدافها هو تجميل القبح والبراءة والانحراف وغيرها من الصفات المنحطة وهذا الاختيار يحسب للكاتب على جرأته وشجاعته في الغور وفضح المسكون عنه . 
خلاصة قراءتنا للسيناريو  انه محايد وغير بريء لذا جاء متساوقاً مع أحلام وافكار بعض النخبة لتعرية ما وصل اليه  المجتمع العراقي ، وأخيراً نقول للكاتب  ليست هذه الجهة الوحيدة التي اصابها الحيف نتيجة هيمنة وقوة وسطوة الهويات الفرعية. .