محمد شريف أبو ميسم
لم أقصد من هذا العنوان مساحة الرأي والرأي الآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، بل أتكلم هنا عن توظيف هذه المواقع للمعلومات الزائفة التي شكلت ظاهرة في فضاء الديموقراطية على المستوى الدولي وليس على المستوى المحلي وحسب. من هنا أتساءل كيف نحمي أنفسنا وأولادنا والرأي العام؟ وكيف نحمي بلادنا من هذا السلاح الفتاك الذي يهيمن عليه المحتكرون لاقتصاد المعرفة؟ بعد أن أضحت ديموقراطية التواصل الاجتماعي ظاهرة تعاني من زيفها شعوب من دون غيرها.
الاجابة هنا لا تقتصر على المطالبة بتشريع القوانين التي تنظم العلاقة بين مستخدمي هذه المواقع بما يضمن حقوق النشر والتواصل الاجتماعي بكل حرية، وبما يحد من توظيف مساحة الانفلات في تمرير المعلومات الزائفة وحسب، بل ينبغي أن تمتد الى تجريم المحتوى الكاذب على هذه المواقع، والزام الجهات ذات العلاقة بالاعلام والاتصالات باستحداث صفحات لتصحيح الأخبار والأقاويل والمعلومات غير الحقيقية ذات التأثير في الرأي العام، ومطاردة المروجين لها ومن يقوم بتكرار نشرها، بجانب الزام وسائل الإعلام الرئيسة بالتشريعات والقوانين والأخلاقيات التي تجعل منها وسائل قابلة للتصديق أكثر من منشور على الفيسبوك أو تويتر أو الانستكرام وسواها. وإن اخترنا أن نكون ايجابيين في صناعة مستقبل محصن من الخوف والسلبية ومن اختراقات المحتكرين لأدوات العولمة الثقافية، علينا بخلق مساحة ديموقراطية على هذه الصفحات لمساءلة المتصدين للمسؤولية والذين تم انتخابهم، بهدف اعادة ثقة الجمهور بالعملية الديموقراطية وبهيبة الدولة، وبالتالي وضع حد لظواهر عدم الثقة والمخاوف الناجمة عن الانحياز للسلبية والتهريج في معالجة الظواهر السياسية والمجتمعية عبر فتح أبواب النقاشات للشباب والفئات العمرية الأكثر استخداما لهذه المواقع والانفتاح على ما يفكرون به ويتكلمون بشأنه بحكمة وموضوعية وبالتالي الدفاع وبجدية عن حقوق هذه الفئات.
ان التحدي القادم في ظل هيمنة أدوات العولمة على أنماط السلوك والثقافات العالمية، يتجلى في ديموقراطية مواقع التواصل الاجتماعي التي تتحكم بها التيارات الداعية لمزيد من حرية سلطة المال بدفع من رساميل العولمة التي تديرها وتحركها تيارات الليبرالية الجديدة التي صنعها اليمين المتطرف والحركات الشعبوية المؤمنة باعادة انتاج العبودية بشكل حداثي عبر تدجين الوعي وادارة التشكيلات المجتمعية عن بعد على وفق المقاسات الليبرالية الجديدة التي تمهد لظهور دولة رأس المال العابرة على سيادة الشعوب اعتمادا على المؤثرات السمعية والبصرية ودغدغة الأنماط الاستهلاكية. وهذه ليست نفحات من تهمة نظرية المؤامرة التي يجترها “العقل المتثقف” بنصف فم، بل هي واقع يتحرك بموجبه العالم اليوم، وما للدول والمجتمعات الا المزيد من معايير المسؤولية و المساءلة والافصاح والشفافية والعدالة، بوصفها عقاقير الحصانة التي أنهت الى غير رجعة سياسات الغرف المظلمة.