الإمام علي «عليه السلام» ومبدأ الحق يقابله الواجب

آراء 2019/05/27
...

وجدان عبدالعزيز
لو تمعنا في وعي الامام علي “عليه السلام” المتجلي في فهم قضية الاسلام، كونه تمثل وهضم فكرة الدين، حتى صاغها عقيدة مبدئية غايتها انقاذ البشر بتنوير طريقه في الحياة، ثم انه قام بتحويل الاسلام من فكرة نظرية الى حيز العمل، وكيفية استثمار قضية الفناء والموت، لصنع سعادة الدنيا باتصالها الاتصال السرمدي بسعادة الاخرة، فصراع الفناء مع البقاء وضع له الامام علي علة وجودية ارتبطت بالادراك والفهم الاستيعابي لكلا الشقين الفناء والبقاء... وجعل الفناء كخادم مطيع للبقاء بعلة وجوديهما، وعلة فائدة العلاقة المضمرة بينهما.. وهذا تطلب من الامام علي ان يبدأ من الداخل، أي داخل اعماقه، ليخرج بفهم كامل لغوامض الكون وعلاقات اشيائه، عكس الاخر، الذي بدأ بالخارج لمحاولة فهم غوامض الكون حيث كانت من مدركاته “عليه السلام”، ان الانسان لابد ان يتخلص من علل وجودية، ليتجلى الى مستويات الطموح الاسلامي،وجعل لهذا الانسان بُعدين : الاول السافل البغيض المتعفن والنتن، والذي عبر عنه القرآن الكريم بالصلصال والحمأ المسنون، فمن بُعد الصلصال والطين الى بُعد السمو، حيث يكون ذاته وفطرته، وهي السمو بالمعاني الانسانية، لتكون هي الله او روح الله، كمعاني كنائية قبل ان تكون معاني خالصة، أي يوجب السعي للسمو من الطين الى الروح، أي هذين القطبين قطب التراب والطين وقطب الله وروح الله، وهوسعي ليس بالسهل القريب، هكذا كان جهاد الامام، كإنسان انطلق من صناعة ذاتية نقيه استلم اسسها من رسالة الاسلام، ليتغلب على قطب التراب والطين، أي ما سفل من الانسان، ليحلق بعيدا الى روح الله، وهذا التحليق صنع منه انسانا معجزة في خلق حياة مثالية قادرة، لتكون سندا للحياة الاكثر استقرارا وثبوتا، وهي الحياة الاخرة، فمن حياته مع الرسول الكريم قبل البعثة، ثم معايشته معالم البعثة، ونشر مبادئ الرسالة المحمدية التي انارت جوانب وزوايا الظلام في الكون، وكانت غايتها الانسان، وكيف بعد وفاة الرسول الكريم عاش الامام منعزلا، كمستشار للكل ومنظرا وموضحا لمبادئ الاسلام على اساس الحقوق والواجبات، وكان دوما يصوب اخطاء الاخر بتقويمه وتنوير طريقه، من دون ان يكسر عضده وطموحه، اذا كان مشروعا يتوافق ومبادئ الاسلام الالهية، لهذا الانسان فكان لينا مع الاخر، حيث اسس مسارات تربية رصينة، رغم كل المشاكل التي لاقته، لاسيما بعد وفاة الرسول، حيث كان من ابرزها مشكلة قتل الخليفة عثمان، وتمخضت عنه من مشاكل النفاق، ومشكلة الامام علي في صراحته السياسية، ومن المشاكل التي يجب التنويه عليها مشكلة الخوارج الذين تمسكوا بقشور العبادة فقط، بحيث من يراهم من العامة يحسب انهم على صواب، ومشكلة الامام الاخرى التشدد في العدالة وفضح الظلم مهما كان مصدره، ومشاكل اخرى كادت ان تؤدي في عرقلة مشروع الامام في بناء الدولة والنظام، بيد ان الامام لم تأخذه في الحق لومة لائم وبقي في سعيه الحثيث، نحو السمو بهذا الانسان، الذي خلقه الله في احسن تقويم وجعله خليفته في الارض... هذا نزر قليل نحاول التذكير فيه في ليلة وفاته متأثرا بطبرة ابن ملجم اللعين السامة، وهو في محراب السجود لتتمثل رسالة الاسلام بهذا الانسان العظيم خير تمثيل... كونه اثبت حق الانسان في الحياة الحرة الكريمة، وفق مبادئ ديمقراطية قائمة على مبدأ الحقوق والواجبات.