كيف نختار الأفضل من المواد لإدامة مبانينا؟
علي غني
ربما يقودني موضوع السمنت في العراق إلى المقارنة بين السمنت العادي والمخلوط، وخطورتهما اذا خرج الموضوع عن المواصفات القياسية، وهل للسمنت علاقة بموضوع التلوث البيئي، وما علاقته بالخرسانة، وهل حقا أن السمنت مثل الدواء يميت ويحيي؟، أقول بصراحة انني لدي تخوف من الغش الذي أوقع بنايات في دول عديدة منها على سبيل المثال (مصر).
فمواد البناء يجب أن تكون تحت انظار السيطرة النوعية، والا فإن الموت غالبا ما يلبس ملابس عمال البناء، لذلك فإني اخترت السمنت اولا، لأنه العمود الأساس في اركان البنايات، فتعالوا معنا.
صديقٌ للبيئة
كلنا يعرف أن السمنت يشترك في أعمال البناء في انحاء العالم، لكن الذي لا نعرفه عن صناعته وجودته وأنواعه، فكانت الأستاذ الدكتورة (البرفسور) ندى الجيلاوي، متألقة في تعريفها للسمنت الذي نستخدمه في البناء، وهي تقول: السمنت الجيد والرديء لا يمكن تميزه بالعين المجردة، وإنما بالفحص الفيزيائي والكيميائي بموجب المواصفات العراقية، وازيدك معلومة باني عضوة في ثلاث لجان للمواصفات الانشائية في جهاز التقييس والسيطرة النوعية، وقد تندهش اذا قلت لك ان السمنت مثل الدواء، فهو مادة كيميائية، وهو على انوع منه صديقا للبيئة ونطلق عليه الاسمنت المخلوط، ونستخدمه في الابنية الخضراء، وهو بالوقت ذاته يحمي العمال من ملوثات السمنت الاعتيادي.
هنا توقفت قليلا، لأقول للدكتورة (ندى) العارفة بتخصصها تكنولوجيا الخرسانة ومواد البناء، ما معنى (سمنت اعتيادي أو سمنت مخلوط)، فأجابت: السمنت الاعتيادي لا توجد خطورة باستعماله، وهو يستعمل للخرسانة المسلحة وغير المسلحة، أما الكلسي (المخلوط) فهو يستعمل للخرسانة غير المسلحة، لكنها استدركت سريعا وهي تضيف: السمنت المخلوط بانواعه مفيد للاقتصاد العراقي والبيئة فهو يقلل التلوث، لذا من الضروري انتاج أنواع مختلفة من السمنت المخلوط الكلسي، أو (البوزولاني وهو السمنت المتكون من 80 % اسمنت اعتيادي
و20 % مادة البوزولانية، مثل الكاؤولين (الطين) وخبث الأفران أو الرماد المتطاير)، وكل هذه المواد متوافرة في العراق، وبإمكان المعامل العراقية تصنيعه بمواد محلية، وأنا على استعداد والكلام (للدكتورة ندى)، تقديم الاستشارة الصناعية مجانا.
لا تسمح بالغش
وليس من باب المبالغة، إذا قلت إن نوع السمنت هو روح البناية، هذا ما قاله المهندس عبد اللطيف الجابري/ امين سر جمعية المهندسين العراقيين الذي غالبا ما يقدم ضيفوه في ندوات الجمعية، ويضيف أن المواصفات العراقية لا تسمح بالغش أبدًا، وأن العراق من البلدان المتقدمة هندسيا في العالم، ويكفينا زها حديد، وآلاف المهندسين العراقيين الموزعين في دول العالم، فتراهم قادة المشاريع، لذلك فالجمعية دأبت على اقامة الندوات عن مواد البناء، لتوقف الأخطار قبل وقوعها، ومنها التأكيد على السمنت المستخدم في البناء أن يكون ضمن المواصفات العالمية.
وأعود للدكتورة ندى الجيلاوي، هناك توجه، ونحن كمختصين وباحثين، بدعم صناعة السمنت المخلوط، ليس لأنه صديقٌ للبيئة، بل إن كلفته أقل من السمنت الاعتيادي، ويؤدي الغرض نفسه، إلى جانب افضليته من نواحٍ عديدة فهو اكثر مقاومة لمهاجمة الكبريتات الداخلية، ويكون أقل مسامية وامتصاصا ويقلل من أماهة (تفاعل كيميائي) السمنت العالية على أن تحدد استخداماته بموجب خواصه التي تختلف عن السمنت العادي، بسبب احتوائه على المادة البولازلانية أو حجر الكلس.
يقول الاستاذ المساعد الدكتور ليث عبد الباري من الجامعة المستنصرية: نظرا للحاجة المتزايدة والملحة لاستخدام الخرسانة ومواد البناء والتشييد المتنوعة الخصائص والامكانيات في المشاريع الحالية والمستقبلية في العراق، فضلا عن تنوع المشاريع والحاجة إلى استكشاف واستخدام الأنواع الحديثة والمتطورة من الخرسانة ومواد البناء، مضيفا: لذلك اصبحت الحاجة ملحة إلى انتظام العاملين والمهتمين في هذا القطاع، سواء اكانوا من المؤسسات الاكاديمية او المؤسسات التنفيذية القطاعية الحكومية أو الخاصة، في لجان أو هيئات علمية مهنية متخصصة لمناقشة جميع الامور المتعلقة بهذا القطاع المهم والتعريف بتقنيات الصناعة والتصميم والتنفيذ، لذلك وقد فاتحنا جمعية المهندسين العراقية للموافقة على تشكيل (اللجنة النوعية للخرسانة ومواد البناء)، ضمن الهيئة النوعية للهندسة المعمارية والمدنية (برئاسة الدكتورة ندى مهدي الجيلاوي)، فوافقت الجمعية، وستسهم هذه في وضع الخطط للتعليم الهندسي وتكنلوجيا الخرسانة ومواد البناء في الكليات والمعاهد والمدارس المهنية، وتقويم المدونات الخاصة بالخرسانة ومواد البناء بالتعاون مع الجهات الرسمية المسؤولة.
المواصفات البريطانيَّة
وكشف الخبير المهندس الاستشاري عبد السلام عبد الحسن الجثعمي (الذي شغل منصب مدير عام سابقا)، أن السمنت العراقي يندرج الجودة والمطابق للمواصفات البريطانية الخاصة بالسمنت، وتنتشر معامل السمنت في العراق من الشمال إلى الجنوب، وبدرجات متفاوتة من الجودة، ولكن أغلبها يغطي حاجة البلد، وأحيانا يصدر إلى الخارج، سيما دول الخليج، وشيدت به مبانٍ مؤثرة ومعالم كبيرة في العالم وفي داخل العراق، ويتصف السمنت العراقي بأنه متعدد الأغراض، لكن والكلام لـ (عبد السلام) انه بعد الاحتلال حدث تعثر الانتاج بقطاع السمنت بانواعه، مما ترتب توريد أنواع من السمنت أقل مكانة وجودة، مما أضطرنا لإعادة تأهيل بعض الأبنية، التي شيدت بالسمنت المستورد لضعف مقوماته، فقررت الجهات المختصة منع استيراده، ويخضع السمنت العراقي إلى فحوصات ما بعد استكمال القطع الكونكريتية سقوفا وجدرانا أو أعمدة، وهذه الفحوصات تترتب عليها التزامات في حالة فشل القطعة الكونكريتية أو المنتوج الكونكريتي ويتمُّ استبعاده وتهديمه، وهناك حملة مضادة ومنافسة في الأسواق، مما يحمل القلق من وجود السمنت لغلبته للسوق المحلية والتصديرية، فإن اغلب البنايات التي تعثرت أو رديئة من السمنت الوارد للعراق، ودائما الموصوفة العراقية اكثر من الاحتياج العراقي، اما في بعض البلدان، وبما إن السمنت باهظ الثمن عند بعض الدول، لذلك فهم يقومون بتقليل كمية السمنت مما يترتب عليه انهيار الابنية وسوء التشييد.
أفضل الأنواع
وحتى أتوصل إلى الحقائق عن السمنت وانواعه وجودته، وما سر صداقة بعض الانواع للبيئة، ولماذا تفضل بعض الدول السمنت العراقي (لا سيما المخلوط)، فقررت أن ازور وزارة الصناعة والمعادن لأطلع على الحقائق عن قرب، فتصدت مسؤولة إعلام وزارة الصناعة ضحى الجبوري للموضوع، وهي تصف لي تميز مواصفات السمنت العراقي، وعدته من أجود أنواع السمنت بنوعيه البورتلاندي العادي والمقاوم للاملاح والكبريتات، وهو خاضع للفحص طبقا للمواصفة العراقية المحدثة 2019، والتي تعدُّ أقوى المواصفات بالمنطقة، بل تتعدى حتى المواصف الاوروبية، والسمنت العراقي وبشهادة الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية من أجود وأفضل أنواع السمنت في المنطقة.
وتابعت (الست ضحى): أقول لك حقيقة، ربما لا يعرف الكثير، فالسمنت العراقي يخضع للفحص من عدة جهات رقابية، تقوم بالفحص العشوائي وبدون سابق انذار، اما بالنسبة للكونكريت الفاشل اكيد سببه السمنت المستورد الرديء، كما أن فحص السمنت خاضع للتقييم من قبل الجهاز المركزي للقياس والسيطرة النوعية والمختبرات الموجودة بالمعامل ومقرات المعاونياتـ التابعة للشركة العامة للسمنت العراقية وجهات اخرى فاحصة، تعتمد على المواصفة العراقية المحدثة 2019.
صديقٌ للبيئة
وأما عن انواع السمنت، فأجابت: يوجد اكثر من (16) نوعا موجودا بالعالم، اما المنتج بالعراق هو السمنت المقاوم للاملاح والكبريتات والسمنت البورتلاندي العادي وسمنت آبار النفط B وG وسمنت المونة والسمنت صديق البيئة، الذي من المقرر انتاجه في معمل سمنت كربلاء، أما بالنسبة لهذه الانواع تستعمل كلا في اختصاصه، والجودة تحددها مطابقة المنتج للمواصفة العراقية المحدثة 2019.
وعن انتاج سمنت صديق للبيئة (فكشفت لنا مسؤولة الإعلام في وزارة الصناعة) أنه سيتمُّ انتاجه بمعمل سمنت كربلاء (تشغيل مشترك)، واذا نجحت التجربة، ستتم تجربتها بأحد المعامل التابعة للشركة العامة للسمنت العراقية، كما يمكن انتاج اغلب انواع السمنت وبجودة عالية، وذلك لجودة المادة الاولية وقدرة المعامل والملاك العراقي على استغلال هذه وانتاج عدة انواع وبجودة عالية، اما الانتاج بالعراق وصل إلى حدود 33 مليون طن بالسنة، وخلال السنتين القادمة سوف يتزايد الانتاج إلى 40 مليون طن بالسنة، بإدخال خمسة معامل إلى العمل.