ميادة سفر
تشكل الأحزاب السياسية عنصراً أساسياً في أي نظام ديمقراطي، حيث تعتبر مؤشراً على التعددية السياسية وإمكانية تداول السلطة والمشاركة السياسية والتعبير عن الرؤى والتطلعات والأفكار بشأن المجتمع والدولة والأفراد، ويعتبر الحزب وسيطاً بين المواطنين والحكومة، ويعمل على تمثيل مصالح الشعب وصياغة السياسات العامة للبلاد، الأحزاب السياسية كما يعرّفها الفيلسوف الفرنسي ريمون آرون هي «تجمعات إرادية منظمة تعمل من أجل المصلحة العامة والمجتمع وتحمل مسؤولية الحكم وحدها أو بالتحالف مع آخرين».
تعتبر الأحزاب السياسية ظاهرة سياسية حديثة واكبت ظهور الديمقراطية وانتشارها في العالم، وقد اعتبر المفكر الفرنسي موريس دوفرجيه في كتابه «الأحزاب السياسية» «أن تاريخ الأحزاب الحقيقة يعود إلى قرن تقريباً، ففي عام 1850 لم يكن أي بلد في العالم باستثناء الولايات المتحدة الأميركية يعرف الأحزاب السياسية بالمعنى العصري للكلمة»، وبالتالي فإن ما كان يطلق عليه تسمية حزب من تجمعات ونوادي أو تنظيمات شعبية لا تشكل حزباً بالمعنى المعروف اليوم، وفي عام 1950 أخذت الأحزاب السياسية تظهر في غالبية الدول المتحضرة وفقاً ل دوفرجيه، بينما بذلت دول أخرى جهوداً كبيرة في تقليدها.
مع بداية القرن العشرين برزت الأحزاب بشكل كبير، لا سيما في البلاد المستَعمرة كأداة للدفاع عن مصالح الشعب والمطالبة بتحرره وتبني وتمثيل أفكار وقيم محددة تحاكي آمال وتطلعات الشعوب، ومنذ ذلك الحين تطورت الأحزاب السياسية بأشكال وألوان مختلفة، وأخذت تلعب دوراً أكبر في الحياة السياسية في الدول التي حافظت على طابعها الديمقراطي.
فقد ارتبط نمو الأحزاب السياسية وتطورها بنمو الديمقراطية وفرص تداول السلطة وتأثير البرلمانات في الحياة السياسية للدول، لأن الدور الذي تلعبه المجالس البرلمانية وأعضاؤها، بما يشكلونه من ثقل سياسي عبر التكتلات والتحالفات التي يعقدونها، يشكل حافزاً على تطوير الأحزاب وإنشاء التحالفات فيما بينهما، وفي هذه النقطة يعتبر دوفرجيه أن «نشأة الأحزاب متعلقة بنشأة الكتل البرلمانية»، لذلك تشهد العديد من الدول حول العالم نشاطاً سياسياً كبيراً وتنافساً حاداً بين الأحزاب أثناء الانتخابات من أجل الفوز والوصول إلى السلطة، وتشكل الولايات المتحدة الأميركية انموذجاً حياً عن هذا التنافس بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لما يترتب على نتائجه من رسم وأحياناُ تغيير في بعض سياسات الدولة حول قضايا محددة.
يعول الكثير من المفكرين على الظروف والأحوال وأوضاع البلاد التي واكبت نشأة الأحزاب في معرفة مدى التطور الديمقراطي الذي نشأت فيه، فضلاً عن أهمية البرامج التي تضعها الأحزاب وتؤسس عليها مستقبلها قبل الحديث عن العقائد والتنظيم، وقد أشار الفيلسوف ديفيد هيوم في كتابه «دراسة حول الأحزاب» إلى أنّ البرنامج يلعب دوراً أساسياً في المرحلة الابتدائية، بحيث يعمل على تكتيل أفراد متفرقين، وفي ما بعد يأتي التنظيم.
تطورت الأحزاب السياسية مع الوقت وتنوعت في تنظيمها وأهدافها وعقائدها، لكنها بقيت سمة أساسية من سمات الديمقراطية، ودليل صحة للحياة السياسية في البلاد، إلا أنها تختلف من دولة إلى أخرى وفقاً لنظام الحكم فيها، ففي البلاد ذات النظام الاستبدادي تشكل الأحزاب السياسية وتنوعها مصدر قلق ورعب، لذلك نرى قلة منها قادرة على خوض المعارك الانتخابية وفي أغلب الأحيان تحت مظلمة الحزب الحاكم، أما في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية تعول الأحزاب على قاعدتها الجماهيرية دون خوف من بطش السلطة الحاكمة، التي تعتبر نفسها على المحك في أية انتخابات مقبلة بما حققته من إنجازات وما التزمت به من
وعود.