القاضي عبدالستار رمضان
الموقوف إنسان مُشتبه به أو تقدمت شكوى ضده وبناء على الأدلة المقدمة إلى قاضي التحقيق بل ربما لمصلحة الشخص نفسه وللحفاظ على حياته، يتم توقيفه فيصبح موقوفاً على ذمة التحقيق، وبالتالي فهو وديعة وامانة في ذمة السلطات العامة الموكول اليها بالتحقيق والتي مهمتها الوصول إلى الحقيقة، من خلال جمع جميع الأدلة، التي تفيد التحقيق سواء كانت هذه الادلة ضد أو في مصلحة الموقوف، والذي قديكون بريئاً فيطلق سراحه، أو يتحول إلى متهم له الحقوق والضمانات حسب معظم دساتير وقوانين العالم وهي (المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية عادلة).
ولكن الذي يجري في بعض اماكن التحقيق والتوقيف عكس ذلك تماماً، فلا احترام ولا تقدير لمن يدخل أو تسوقه الظروف لمراجعتهم، بل ولا يسلم منها حتى بعض المحامين والمحاميات، والذي لكل منهم قصة أو قصص عن التجاوزات والانتهاكات وو..وغيرها.
وقد أصدرت إحدى محاكم الجنايات في العراق قرارا بادانة ضابط تحقيق والحكم عليه بالسجن لمدة 6 سنوات، وذلك لتسببه وفاة أحد الموقوفين جراء التعذيب، لأن “المدان قام بالاعتداء بعد ضربه المجنى عليه وتعذيبه مما أدى إلى وفاته جراء ذلك»، وصدر الحكم استنادا لأحكام المادة 410/ أولاً وبدلالة مواد الاشتراك 47 و48 و49 من قانون العقوبات العراقي رقم 111لسنة 1969ألمعدل النافذ، أي إن الضابط المدان لم يكن وحده بل مع شركاء مارسوا التعذيب الذي أدى إلى وفاة الموقوف لديهم..
منظومة العدل
ويثير هذا القرار الذي هو غير نهائي وقابل للتمييز الكثير من الهموم والأوجاع عن أوضاع الموقوفين في العراق وطبعا يلحقهم أوضاع المحكومين والمسجونين الذين صدرت عليهم أحكام وقرارات إدانة وصلت إلى الإعدام، والله وحده يعرف كيفية القاء القبض عليهم والتحقيق معهم ومدى توافر أبسط الظروف والمتطلبات الانسانية والقانونية في التعامل معهم.
وهذا ما يعيد التساؤل عن منظومة العدل والعدالة في العراق وضرورة مراجعة القوانين والاجراءات والتركيز على الجانب الانساني في التعامل مع الموقوفين والمحكومين، بعيدا عن العنف والكراهية وتورط بعض القائمين بالتحقيق بالكثير من التجاوزات اللفظية والقولية المسكوت عنها، والتي تتطور إلى أفعال الضرب والاعتداء والتعذيب الذي يشكل في بعض صوره انعكاسا لمرض القائمين بالتحقيق واصابتهم بأمراض وعقد نفسية يصبونها على المساكين الموقوفين لديهم.
ان هذه القضية التي صدر بها حكم على ضابط التحقيق والتي تم الاعلان عنها، هو أمر جيد ومطلوب نشره ودراسته، والإعلان عنه ليصل إلى كل العاملين في اجهزة القضاء والقانون والقائمين بالتحقيق والمهتمين بحقوق الانسان، ولكن: كم هي القضايا التي لم يتمكن الذين تعرضوا للتعذيب من ايصال صوتهم وانينهم؟، وماهي الظروف وواقع الحال الموجود في مراكز التوقيف الرسمية انمعروفة؟ وماذا يجري في اماكن التوقيف السرية وغير المعروفة التي تم فيها تغييب المئات ومنذ سنوات ولا يعرف احد عنهم شيئاً.
أسئلة وجروح وقروح كثيرة ومؤلمة تستوجب التحرك السريع من كل السلطات والجهات لمراقبة وتفتيش كل هذه الاماكن والمواقف، بل وتحديد سلطة الشرطة والاجهزة الاخرى بالتنفيذ فقط لقرارات قاضي التحقيق، لأنها اجهزة تابعة للسلطة التنفيذية، وان يتم التحقيق الابتدائي والقضائي من قبل المكاتب القضائية وتشكيلات الشرطة القضائية، وتوسيع مهامها ليتم التحقيق حصراً من قبل المحققين، وتحت اشراف قضاة التحقيق ومراقبة الادعاء العام ضمن تشكيلات مجلس القضاء، باعتبار أن القضاء هو الحصن الحصين والملجأ الأمين للجميع.