احمد نجم
منذ نحو عشرين عاما، ظل الحضور العددي للنساء في مجلس النواب والمجالس المحلية في استقرار نسبي عند حاجز الكوتا او يتعداها بقليل احيانا، لكن القضايا والقوانين المتعلقة بحقوق المرأة العراقية لم تشهد تقدما يوازي ما تمثله من ثقل في تلك المجالس، ويطرح هذا تساؤلا مهما، لماذا لم تستثمر المرأة العراقية الحصة النسبية {الكوتا} والبالغة 25 % لمعالجة ما تعانيه وتمكن نفسها من اداء ادوارا اوسع في مجالات الحياة المختلفة؟ وكيف تحول هذا التمييز الايجابي لصالح المرأة الذي شرعه الدستور العراقي عام 2005 الى تكتيك سياسي تستفيد منه الاحزاب الكبرى بحسب رأي بعض الناشطات سياسيا؟
في الثامن من اذار الماضي حيث اليوم العالمي للمرأة كانت العشرات من النساء في شارع المتنبي ببغداد يهتفن اعتراضا على ضعف تمثيل النساء في البرلمان وتأثيرهن المحدود على حقوق ومتطلبات المرأة، الناشطة هبة النائب احدى الداعيات لهذا التجمع تقول لــ(الصباح) بأن "ملفات مثل تعزيز حقوق المرأة ومكافحة العنف ضدها وتمكينها من صناعة القرار السياسي والتنفيذي الحكومي، فضلا عن تحسين اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية كل ذلك غائبا عن اداء المرأة البرلمانية".
رقمٌ تكميلي
تعتبر الدورة البرلمانية الحالية هي الأعلى تمثيلا للنساء في تاريخ العراق ، فهل انعكس ذلك على قضايا المرأة؟ تجيب الناشطة النسوية سهيلة الاعسم بالنفي، اذ ترى بأن وصول 93 امرأة لعضوية مجلس النواب كان مصدر فرح في بادئ الأمر لكنها اكتشفت لاحقا بأن "المرأة اصبحت مجرد رقم تكميلي للتحالفات السياسية، واقتصر دورها على المشاركة الرمزية فقط ولم تصل الى المرحلة التي تكون فيها شريكة او فاعلة في القرار السياسي"، تقول ذلك وهي تشير الى وجود الكثير من النساء لديهن الكفاءة والمهنية والقيادة، لكن لا يزالن بعيدات عن التمثيل في المناصب العليا "المدراء العامات او عميدات الكليات ينعدن على الاصابع".
الاعسم ترى بأن المرأة العراقية التي عانت من ويلات الحروب والعنف، لا تزال تفتقر لقانون يضمن حمايتها ويعزز دورها في دورها في مواجهة صعوبات الحياة وتضيف ان "تشريع قوانين الاسرة وحماية القاصرات من الزواج المبكر والاهتمام بالحقوق والصحة والتعليم للمرأة لا يزال امرا منتظرا".
يؤكد الكاتب كامل الدلفي بأن الكوتا بدأت كظاهرة غريبة لم تعهدها الحياة السياسية من قبل وظهرت لاول مرة في قانون ادارة الدولة عام 2004 ثم الدستور العراقي الدائم عام 2005، ويشير إلى أن الهدف من ذلك كان "تقليل الهوة الواسعة بين التمثيل السياسي للنساء والرجال في الانظمة السابقة، وتزامنت ايضا مع المد الديمقراطي العالمي".
لكن ما حصل لاحقا تسبب بانحراف الكوتا عن مسارها الذي ابتدعت من أجله، اذ يرى الدلفي بأن "المد الديمقراطي في العراق قد انحسر لعوامل عدة تسببت في النهاية سيادة التيارات المحافظة وانسداد التجربة الديمقراطية التي بقيت الانتخابات كأخر مظاهرها وتستخدم لاستبدال طاقم البرلمان والحكومة كل اربعة سنوات" ويشير إلى أن المجتمع العراقي كانت امامه فرصة مثالية للتغيير الاجتماعي لكنه أضاعها.
واحدة مقابل تسعة
ورغم تفاؤلها بأن المرأة العراقية بدأت تتمرس على الاداء الوظيفي والعمل النيابي والسياسي، الا أن الاستاذة الجامعية والناشطة في الحركات المدنية الدكتورة طاهرة داخل، ترى بان الكوتا لا تزال لم تحقق طموح المرأة "ولا تزال ضعيفة التمثيل في الوظائف المهمة، مثل القضاء والوزارات ووكلاء الوزارات والمدراء العامين، حيث تكاد تكون النسب معدومة في بعض المجالات".
ويؤيد هذا الرأي البيانات الصادرة عن وزارة التخطيط عام 2018 التي اشارت الى وجود امرأة واحدة في منصب مدير عام مقابل كل تسعة رجال، ووفقا لتقرير عن واقع المساواة في المؤسسات الحكومية العراقية فإن نسبة النساء في منصب مدير عام تمثل تحديدا 7.3% ونسبتها في منصب معاون مدير عام تمثل 8.7%، كما أن وزارات كاملة تفتقر فيها النساء لأي منصب من المناصب العليا.
أما الخبيرة القانونية علياء عبود فتعتقد أن دور المرأة السياسي قد تراجع اذا ترى بان "وضع المرأة السياسي في السنوات الاولى من عمر النظام السياسي الحالي كان افضل بكثير، قبل ان تستحوذ القوى السياسية التقليدية على المواقع والمناصب العليا عن طريق المحاصصة" وتؤكد عبود حاجة المرأة للتمكين، وكانت اول حكومة عراقية تشكلت بعد عام 2003 قد شهدت تكليف 6 نساء بمهام وزارية، فيما تراجع هذا العدد لاحقا وشهدت بعض الحكومات غياب كامل للمرأة.
تكتيكٌ انتخابي
ومع تحقيق النساء في كل انتخابات ما لا يقل عن ربع المقاعد المخصصة للمجلس، الا أن دورهن في تبني قضايا المجتمع النسوي العراقي يكاد يكون معدوما، وتعلل الاكاديمية طاهرة داخل ذلك باستخدام الاحزاب الكلاسيكية القديمة لنوع من الحيل السياسية "اذ يستدعون لقوائمهم من النساء، اللواتي ليس لديهن إرادة سياسية أو وعي سياسي عالي، ويكون دورهن بعد الفوز كمستجيبات وتابعت لقرار أحزابهن فقط"، وبالتالي فأنها ترى القوى السياسية وبعض الرجال ينظرون للكوتا باعتبارها مغنما اكثر مما هي حافز للمشاركة وصناعة القرار، وتشعر داخل بالأسف لقبول بعض النساء لعب هذا الدور واطاعة الاوامر من دون نقاش أو جدال.
ولا تختلف القانونية علياء عبود مع هذا الرأي، فالكوتا النسائية حسب وجهة نظرها تحولت الى تكتيك انتخابي تستغله الاحزاب للاستحواذ على المزيد من المقاعد بواسطة النساء غير المعنيات بقضايا المرأة العراقية، وتشير عبود الى الحاجة الشديدة لدعم المرأة للمرأة بعد أن تتسلم مواقع المسؤولية.
تجربةٌ حديثة
وقد تكون حداثة التجربة واشراك المرأة في صناعة القرار السياسي سببا اضافيا في عدم تحقيق الكوتا لمبتغاها كما يرى الكاتب والقاص كامل الدلفي، اذ يشير الى ان "الكوتا امر مستحدث في حياة المجتمع العراقي، ويعني ذلك عدم وجود مهارة او خبرة ادارية سابقة لتطبيقها، بالإضافة لعدم وجود بيئة اجتماعية وسياسية ديمقراطية تدفع باتجاه التمثيل النسوي الحقيقي".
ويحمل الدلفي الاحزاب السياسية مسؤولية الاخفاق في ترسيخ الديمقراطية في حياتها الحزبية" فهي لم تنظم انتخابات حزبية حرة، ولم تفتح أبوابها للتمثيل النسوي في مواقع القرار الحزبي او المؤتمرات العامة" فالأحزاب السياسية التقليدي لم تسهم بحسب الدلفي بتهيئة المرأة سياسيا.
بالنسبة للدلفي فأنه يرى وجود حق ضعيف أفضل من اللا شيء "بصيص النور خير من الظلام الدامس، ويبدو متفائلا بوجود "طاقات بشرية واعدة وثروات مادية هائلة فالعراق مهيأٌ لأحداث التحول الحضاري في أيِّ لحظة".