د. حامد رحيم
يلاحظ المراقب خطوات الحكومة المصرية في اطار معالجة مشكلة سعر الصرف للعملة الوطنية، تلك المشكلة التي تتقارب كثيرا من مشكلة سعر الصرف في العراق، من حيث التجليات وان اختلفت كثيرا من حيث المضمون، فالبنك المركزي العراقي يبيع الدولار عبر النافذة لتمويل التجارة الخارجية، بينما البنك المركزي المصري يتدخل في السوق للتأثير على مجريات تحديد سعر الصرف، وما يترتب على تلك المعادلتين من قضايا تتعلق بحجم المعروض من الدولار والطلب عليه، إضافة لمشكلة السوقين الموازيتين في الاقتصادين وأسباب نشوئهما.
اتخذت الحكومة المصرية قرارها الأخير في 6/ اذار من هذا العام بتعويم العملة، لتترك سعر الصرف حرا لقوى العرض والطلب دون أي مؤثر الامر الذي صنع صدمة في السوق الرسمي لترتفع قيمة الدولار الواحد إلى (50 جنيه) بعد ان كان (31 جنيه)، مما رفع معدلات التضخم إلى (38%) رغم رفع سعر الفائدة إلى (6%)، وقد عللت الحكومة هذه الخطوة بالمحاولة لردم الفجوة بين السوق الموازية والرسمي، والتي كانت بحدود (40) نقطة وهي فجوة كبير نسبيا، ومن ثم توحيد سعر الصرف في البلاد، ويرى متابعون بان تلك الخطوة هي نتيجة لشح السيولة الدولارية لدى البنك المركزي، الامر الذي اعجزه عن الاستمرار في التدخل للحفاظ على توازن سعر الصرف عند السعر المشار اليه، وهنا لا بد من الإشارة إلى قضية مهمة اغفلها الاعلام الحكومي المصري على الأقل الا وهي املاءات صندوق النقد الدولي، الذي دخل على خط الاقتصاد المصري عبر سلاسل القروض واخرها قرض (6) مليارات دولار وما يترتب عليه من تسويق شروط التثبيت الهيكلي.
بشكل عام ان تلك الخطوة لم تأت من فراغ، فالاقتصاد المصري وما يعانيه من مشاكل على رأسها النمو السكاني الكبير هو اقتصاد متنوع لا يعتمد على قطاع محدد، فالسياحة قطاع رائد مدر للدولار ناهيك عن حجم التحويلات الخارجية من طرف واحد لصالح الداخل المصري إضافة للصناعة التحويلة وميزات الزراعة ونمو صادرات الغاز وغيرها، وكلها عوامل قوة، ومن ثم المراهنة على تلك النشاطات لايجاد تدفق دولاري إلى الداخل في حال وجود سياسات اقتصادية تحفيزية لها.
العراق وفرضية تعويم العملة فيه مستبعدة جدا، فالمعادلة الدولارية مختلة جدا لان الإيرادات تتحقق من النفط وهذا ما يظهره الميزان التجاري، الذي تبلغ فيه مستويات التركز لصالح النفط الخام ما نسبته (0,99) والنفط تهيمن عليه الحكومة انتاجا وتحتكر الإيرادات بشكل مطلق، ومن ثم فهي المصدر الوحيد، ولا يمكن تمويل التجارة الخارجية الا عبر النافذة لدى البنك المركزي، وعند هذه النقطة كيف يحصل القطاع الخاص على الدولار اذا كانت مساهمته في الصادرات (0%)؟ في حال رفعت السلطة الاقتصادية يدها في توفير الدولار للقطاع الخاص الوطني.
ان معالجة مشكلة تعدد أسعار الصرف في العراق، نتيجة لوجود السوق الموازية، لن تتم عبر التعويم في ظل هذا المعادلة المختلة، بل تحتاج ثورة تغيرية تستند إلى منظور ستراتيجي يتم عبر تفعيل (صندوق دعم الصادرات)، تلك الهيئة الخاملة في وزارة التجارة، بالمقابل وجوب الالتفات إلى ميزات الاقتصاد النسبية وحفزها للدخول إلى منظومة الإنتاج الوطني، وهذا أيضا بحاجة إلى صندوق دعم وسياسات اقتصادية نافذة بقوة لتعديل مسار الأحادية في الإنتاج المعتمدة على
النفط.
ان الفساد الكبير وسوء الإدارة وغياب الإرادة السياسية للمعالجة بشكل جدي، بسبب الهشاشة وضعف انفذ القانون والاعتماد على الإيرادات النفطية لتغطية نفقات الحكومة والتي تحقق اريحية للقوى القابضة على السلطة بتمرير اجنداتها السياسية، كلها معوقات أساسية للنهوض بالنشاط الاقتصادي نحو التنويع الشامل، ومن ثم ما زال حلم التنمية بعيد المنال في ظل هذا النظام القائم، والنتيجة لكل ذلك استمرار عملية نسف التراكم الرأسمالي، نتيجة لمعادلة دخول الدولار من باب صادرات النفط ليخرج عبر نافذة السياسية التجارية مع غياب للحوكمة والدور الرقابي واستمرار مشكلة السوق الموازي الذي تحول لمشكلة مستعصية عن الحل.