في ذكرى حرب الإطاحة بنظام صدام

آراء 2024/03/27
...

  عبد الحليم الرهيمي

خلال تذكير الكاتب بظهور صدام غير المرتب بتلك اللحظات لم ينس ايضاً تذكيرنا باعلام النظام التهريجي بخلق (القصص) عن البطولات لرفع المعنويات، لا سيما التطبيل والتزمير لقصة المواطن (منكاش) الذي تم تصويره ( على انه اسقط طائرة اباتشي ببندقيته الكلاشينكوف)، لكنه تناسى عامداً متعمداً – كما يبدو – من الاشارة للمواطن (ابو تحسين) الذي صورته كل فضائيات العالم وهو يضرب بحرقة، وبنعاله صورة لصدام بلافته قماش وهو يقول يا عالم يا عراقيين هذا هو الذي ظلم ودمر العراق والعراقيين لأكثرَ من ثلاثين سنة

مرَّت قبل أيام ذكرى ( بدء حرب تحرير العراق والإطاحة بنظام صدام حسين)، التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا وبمشاركة 33 دولة من دول العالم.

ولأن أحداً من العراقيين والأجانب لم يعمد إلى التذكير والحديث عن هذا اليوم طيلة السنوات الماضية، كتب صحفي عراقي (أتحفظ على اسمه لعدم رغبته بذلك كما أظن) مقالاً بهذه المناسبة نشرَ في إحدى الصحف العربية التي لا تدخل العراق.

والمقال هذا يقدم منذ البدء بعنوانه العديد من الأخطاء والمغالطات السياسية والتاريخية، لمقاصد تتضح في متن المقال. 

وفي العنوان الذي اختاره بصيغة (ذكرى أول ضربة أسقطت نظام صدام بصمت)، هو خلافاً للواقع فصدام ونظامه لم يسقطا بهذه الضربة، ولا حتى بعد الإعلان عن نهاية الحرب في 9 نيسان، إنما عندما اصطيد في تلك الحفرة إياها التي اختارها بنفسه، بدل الاختفاء بأحد قصوره المعروفة دون أن يحمل ذلك المسدس، الذي يعلقه بخاصرته طيلة أكثر من ثلاثين عاما، ولم يضرب منه حتى طلقة واحدة ضد معتقليه.

اما التذكير بأن (هذه مرت بصمت ودون ضجيج)! فلم يوضح الكاتب ما قصده بذلك هل كان يريد أن تمر بالهوسات والمهاويل والشعارات البائسة اياها مثل (روح بيها وعالزلم خليها!) و( نحن جنودك يا صدام) (لقد هزمنا العلوج الغادرين)، وغيرها من هتافات وشعارات مّل العراقيون سماعها لثلاث عقود.

ولأن ذلك الضجيج لم يحدث (ولن يحدث) عمل الكاتب إلى تذكير القارئ بـ (حفلة) (ظهور صدام فجر ذلك اليوم على شاشة تلفاز العراق الوحيدة، واصفاً ما حصل بأنه «غدر»، وبدأ خطابه الذي بدأ فيه متعجلاً وفي مكان غير معد بعناية بحيث لم يهتم بهندامه كعادته مرتدياً « نظارات كبيرة العدسات قائلاً : لقد غدر الغادرون..)، وقد بدأ الكاتب بهذا التوصيف الدقيق لحالة صدام بتلك اللحظات وكأنه كان أحد فريق الحماية أو مستشاراً للقصر !

وخلال تذكير الكاتب بظهور صدام غير المرتب بتلك اللحظات لم ينس ايضاً تذكيرنا باعلام النظام التهريجي بخلق (القصص) عن البطولات لرفع المعنويات، لا سيما التطبيل والتزمير لقصة المواطن (منكاش) الذي تم تصويره ( على انه اسقط طائرة اباتشي ببندقيته الكلاشينكوف)، لكنه تناسى عامداً متعمداً – كما يبدو – من الاشارة للمواطن (ابو تحسين) الذي صورته كل فضائيات العالم وهو يضرب بحرقة، وبنعاله صورة لصدام بلافته قماش وهو يقول يا عالم يا عراقيين هذا هو الذي ظلم ودمر العراق والعراقيين لأكثرَ من ثلاثين سنة.

بعد ذلك انتقل الكاتب لتوصيف تفسير بعض المصطلحات برؤية سياسية وايديولوجية منحازة بالقول: ( لقد وصل الغادرون حسب توصيف صدام والمحتلون طبقاً لقناعة « معظم « العراقيين، والمحررين بقناعة بعض القوى السياسية الفاعلة خارج البلاد).

وهنا تبدو المغالطة واضحة بدون رتوش أو تغطيات مفبركة.

ذلك إن القول ( والمحتلون طبقاً لقناعة معظم العراقيين)، فهل اعتمد الكاتب بهذا التوصيف والتوصيفات الأخرى على استطلاعات رأي لمؤسسات محترمة؟

ففي وقت التحرير كان ملايين العراقيين، هم مع هذا العمل لإنقاذهم وانقاذ العراق وحين نقول بالملايين، إنما نشير إلى أسر ملايين العراقيين الذين قتلوا بحربي صدام ضد ايران وضد الكويت وضد شعب كردستان العراق أو الذي قتلوا أو استشهدوا في المعتقلات والسجون وفي الانتفاضات الشعبية، هل إن كل ذلك ولد للملايين (قناعة لمعظم هؤلاء) أن يعيبوا على من ثأر لهم وعاد بعض حقوقهم 

وإنصافهم؟ .

هذا بالنسبة لـ (قناعة معظم) العراقيين، اما (قناعة بعض القوى السياسية الفاعلة خارج البلاد التي اعتبرت « الغادرون « حسب تكرار الكاتب هم المحررون ).. فهذه ايضاً مغالطة كبيرة للواقع فسياسيو (الخارج كانو يعبرون بحق عن ملايين العراقيين، الذين أشرنا اليهم، فضلاً عن علاقاتهم الواسعة بقيادات عسكرية وسياسية واجتماعية وحتى من القيادات البعثية النزيهة والوطنية للاستطلاع الدائم لآرائهم ورؤاهم واقتراحاتهم لسبل الاطاحة بصدام ونظامه.

ثم ينتقل الكاتب لمغالطة أخرى (فاقعة) وفيها قدر غير قليل من التضليل بالقول (ان التوصيف السائد اليوم – وهو توصيف سحبه الكاتب ايضاً إلى أيام حرب الاطاحة بصدام – ولدى الطبقة السياسية نفسها التي هللت للاحتلال بوصفه تحريراً، هو انه ( اصبح اليوم احتلال  يتطلب من المقاومة لإخراجه). 

ورغم ان هذا القول لا يشكل عيباً أو إدانة لموقف أي جهة سياسية أو دولة تغير سياساتها تبعاً لتغير الظروف والأحوال، لكن محاولة اسقاطه على الأيام الأولى للتغيير والتحرير كي يقلل من شأن الحدث الكبير آنذاك وتوظيف ذلك لموقف سياسي راهن هو مغالطة كبيرة. 

ويكفي هنا أن نشير إلى أن خمسة أشخاص من مجلس الحكم التي تقول بالتحرير وليس بـ (الاحتلال) قد توفوا رحمهما الله، وهم المرحومون عقيلة الهاشمي، عز الدين سليم، عبد العزيز الحكيم سيد محمد بحر العلوم، عدنان الباججي.

فلا يمكن وصف هؤلاء بالتراجع عن (هلاهل) التحرير، اما الاحياء المتبقون من مجلس الحكم الذي قالوا بـ (التحرير): فهم ابراهيم الاشيقر الجعفري، وهو مريض معتزل السياسة منذ سنوات، موفق الربيعي، حميد مجيد البياتي، احمد البراك، رجاء الخزاعي، كريم محمد ماهود، وجميع هؤلاء نأوا بأنفسهم عن السياسة ولم يعلنوا أي موقف من القضايا المطروحة. 

اما اياد علاوي، ووائل عبد اللطيف فهما ما زالا يتحدثان بالقضايا العامة في الإعلام، لكن لم يعلن اي منهما تراجعه عن مواقف سابقة... فمن أين أتى كاتب المقال اياه بانهم غيروا مواقفهم القديمة إلى التوصيفات السائدة الآن؟. 

اتمنى على كاتب المقال أن يكون حريصاً على مهنيته الاعلامية وحريصاً على قول الحقائق والوقائع كما هي، واذا كان له آراء مخالفة، فلا بد أن يعترف بها دون تردد ويتحمل مسؤوليتها ولا يحملها للآخرين.