عصام كاظم جري
إن العفو عن الآخر، ورد الإساءة بالحسنة، أمر عظيم لا يخرج إلا من قلب مؤمن وشجاع، وعلى الإنسان المسلم تحديدا اغتنام شهر رمضان بالعفو عن الإساءة مهما كانت قاسية أو شرسة.
ومن القصص المأثورة عن العفو: طلب أحد الأمراء من خادمه بعض الماء ليتوضأ به، وعندما أتاه خادمه بالماء وكان ساخنا وقع منه بعض الماء على سيده، فاشتد غضب الأخر ووقف لمعاقبته على فعلته، هنا قال الخادم:
يا خير الناس ارجع إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز
السيد: وماذا قال رب العالمين؟
الخادم : والكاظمين الغيظ.
السيد: كظمت غيظي.
واصل الخادم: والعافين عن الناس.
السيد: وعفوت عنك.
وما زال مكملا: والله يحب المحسنين.
السيد: اعتقتك لوجه الله تعالى)
إذا/ كم نحن اليوم بحاجة ماسة إلى جزء يسير من هذا العفو،
العفو عن زلة الناس من صفات المحسنين والصابرين، وهو خلق رفيع من أخلاق الكرام وأهل المروءة والشجاعة والعزم والنخوة وبالأحرى هو صفة أبوية. ويعدُّ من صفات الفرسان والأمراء والأنبياء والأوصياء والعلماء، ولقد استطاع الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد العبسي ان يرفع النقاب عن بداية العفو والتسامح حين قال: ( يخبرك من شهد الوقيعة أنني أغشى الوغى وأعف عند المغنم )، وقد أكدت كل الأديان السماوية والمعتقدات والعقائد الدينية قديما على أهمية العفو، وبالمختصر العفو صفة إنسانية قبل أي شيء آخر، وتبقى خالدة وقائمة ما بقي الإنسان فوق الكرة الأرضية، ولا يخفى على أحد الدور الكبير الذي لعبه الإسلام في الدعوة إلى العفو والتصافح ولعلّ القرآنَ الكريم وأحاديث الرسول الكريم محمد (ص) خيرُ من جسد هذه الصفة العظيمة حيث جاء : ( فاعفوا واصفحوا ) و( وأن تعفو أقرب للتقوى) صدق الله العظيم، إذا فمن عفا وأصلح وتصالح أجره على الله يوم الدنيا والدين، ولا ننسى أن الله تعالى قد أثنى على العافين عن أخطاء الآخرين من الناس ولهم منزلة عظيمة وكبيرة، وهذا الثناء الإلهي ما هو إلا دعوة لنا نحن البشر أبناء آدم عليه السلام بالتغاضي عن ذنب الأخر مهما كان نوعه وان نصفح عن المخطئ، والأعظم من هذا الصفح هو مدُّ يد العون والمساعدة والحاجة لكل مخطئ، وذلك بغية إصلاح مسار الحياة وتمهيد طريقها نحو التسامح، فالكثير من الناس بحاجة ماسة إلى هذا الإصلاح، إصلاح افكارهم وسلوكهم ولا يتحقق ذلك إلا بالعمل المعروف ونبذ المنكر، إما العمل بالمثل أو برد الفعل بالمثل هو من صفات الجاهلين البعيدين عن العقلانية المتوقدة، وبالنهاية العمل بالمعروف لن يذهب هباء عند الله والناس.
الإصلاح يبدأ من هنا، من عتبة نقاء الذات وصفاء النفس البشرية، انطلاقا إلى البيت والشارع ومؤسسات الدولة الخدمية والتربوية والتعليمية والقضائية وغيرها