علي المرهج
عامل ديني مرتبط بطبيعة الخطاب الديني الوعظي الذي يميل إلى مخاطبة الوجدان ودغدغة العواطف، واللعب على وتر المجهول الذي لا يفسره الخطاب العقلي المبني على الرؤية الاستباطية الاستدلالية القائمة على ربط المقدمات بالنتائج، وإنما هو مرتبط بالحل الإيماني القائم على حسن العبادة وسهولة الوصول بها إلى مرامي النص
المقدس.
يمكن لنا أن نحدد مجموعة عوامل خارجية وأخرى داخلية كانت، وما زالت هي من أسباب النكوص والتراجع أو عي أعم عوامل التخلف، وهي بالإجمال:
ـ عوامل خارجية، أهمهما الاحتلالات المتعاقبة والاعتماد على العنصر الاجنبي في حل كثير من المشكلات، التي كانت مختفية وراء خشية السلطة من العامة.
فضلاً عن سعي المحتل لإضعاف الإرادة الوطنية، وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات ليضمن بقاءه مدة أطول، ولإشغال هذه الدول في الصراعات في ما بينها، سواء الصراعات على الحدود أو الصراعات الأثنية ووالدينية والمذهبية، الأمر الذي عمل على إضعاغ الشعور بالانتماء للهوية القومية أوالإسلامية.
ـ هناك عوامل داخلية أهمها:
ـ عامل سياسي هو هيمنة النظام الدكتاتوري في الحكم وتفشي نزعة الاستبداد عند جل الحكام العرب، وهذا العامل له جذوره الممتدة على طول التاريخ العربي والإسلامي، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة بين الحاكم والمحكوم واتساع الفجوة بين الجماهير والسلطة الحاكمة.
ـ عامل اجتماعي مرتبط ببنية المجتمع العربي والإسلامي القائمة على النمط البطريركي (الأبوي) الذ ي يعتمد نظام ىلوصاية في التربية الأسرية والتربية السياسية القائمة على أساس أن هناك راع وهناك رعية، والرعية تسير وفق ما يريده الرعي.
وهذا يعني غياب المواطن وحضور الرعية، والرعية لا تتصرف وليس لها حرية اتخاذ الأي بمعزل عن الراعي.
ـ عامل تربوي مرتبط بطبيعة التربية والتعليم القائم على نظام المعرفة التلقينية، التي تجعل من طالب المعرفة متلق سلبي ومن مرسلها فاعل ايجابي، وهذا يعني غياب فاعلية طالب العلم، فتحول إلى متلق سلبي يجتر المعرفة اجتراراً ببغاوياً إتباعياً.
ـ عامل فلسفي مرتبط بطبيعة التفكير الفلسفي الشائع في الثقافة العربية والإسلامية الذي يشيع الدفاع عن المعرفة التأملية التجريدية، التي تغرق في النزعة المثالية وتغيب الواقع لصالح النظرية، حتى صارت فلسفتنا عبارة عن رؤى وتصورات تكاد تبدو منفصلة عن الواقع وكأن أصحابها يغردون خارج السرب.
حتى صارت اللغة الفلسفية لغة معقدة نخبوية متعالية.
ـ عامل ديني مرتبط بطبيعة الخطاب الديني الوعظي الذي يميل إلى مخاطبة الوجدان ودغدغة العواطف، واللعب على وتر المجهول الذي لا يفسره الخطاب العقلي المبني على الرؤية الاستباطية الاستدلالية القائمة على ربط المقدمات بالنتائج، وإنما هو مرتبط بالحل الإيماني القائم على حسن العبادة وسهولة الوصول بها إلى مرامي النص المقدس.
ـ عامل ديني آخر مرتبط بدعوى توقف باب الاجتهاد، حتى أن الأفغاني اعترض على هذا وقال من أغلق باب الاجتهاد: نحن رجال وهم رجال، ويقصد بذلك الفقهاء الأربعة.
فقد شاع في الفقه السني أن باب الاجتهاد قد توقف مع الفقهاء الأربعة.
وهذا يعني أن هناك سعياً جاداً لتغييب العقل في مقابل النقل.
ـ غياب العقل النقدي واتساع مساحة المقدس.
وكلما اتسعت مساحة المقدس كلما ضاقت مساحة العقل وضعفت حرية التفكير.
وهنا لا نقصد بالمقدس المقدس الديني فقط، بل يشمل هذا المقدس الاإجتماعي والسياسي.
ـ حضور الخطاب البياني على المستوى الأدبي والثقافي.
واتساع مساحة تأثير اللغة في بعدها الأدبي والعاطفي والرومانسي في الشعر(الشعبي والفصيح) والقصة والرواية.
حتى وصف أحد المفكرين العرب بأنهم (ظاهرة صوتية).
بمعنى أنهم يهتمون بجمالية اللفظ وسجعه واستساغة سماعه والتغني بموسيقاه.
ـ سطوة الماضي على الحاضر، حتى قيل عن العربي والمسلم أنه يعيش الحاضر وعيناه مشدودتان للماضي، وبعبارة محمد عابد الجابري إن العرب «كائنات ترثية»، بمعنى أنه يعيش الحاضر ولكنه يتصارع مع ذاته ويختلف في موضوعات لا تمت للحاضر بصلة، يعيش الحاضر ويحمل أثقال الماضي على أكتافه.
ـ اعتقاد المسلمين بأولوية الأيديولوجيا الدينية على كل ما عداها، بوصفها أحد الثوابت المتواصلة في والمهيمنة كلياً على عالم الإسلام منذ أقدم عصوره وحتى اليوم وسيادة نمط التفكير الدوغمائي وهيمنة البعد العقائدي و(الأيديولوجي) وإلغاء البعد المعرفي بسبب سيادة العقلية الأرثذوكسية، التي تلغي الاختلاف والتنوع الثقافي والإنتصار لمبدأ «الفرقة الناجية» على أنها هي التي تمثل الحق كله وباقي الفرق مصيرها الإقصاء والإتهام بالزندقة واتكفير.
وهذا ينطبق على أصحاب الأيديولوجيا العلمانية (المتطرفة)، مثلما ينطبق على أصحاب الأيديولوجيا الدينية (المتطرفة).
ـ الرضوخ لرؤية الآخر للذات على أنها متخلفة وتحتاج له في إعادة انتاج نفسها، واستطاعة هذا الآخر على بناء قناعة للذات على أن تقدمها ونهضتها مرتبط بمقدار تمثلها وبايمانها بقدرة هذا الآخر وتقدمه وبتخلف الأنا وعدم استطاعتها تحقيق التقدم والنهضة من دون مساعدة الآخر (الغرب).
ـ غياب الأخلاق بوصفها فلسفة أو علماً وانتصار الخط الديني للأخلاق على الخط الفلسفي لها.
في مقابل انتصار الخط الفلسفي للأخلاق في أوروبا على الخط الديني لها وانتشار عقل التنوير الذي فكك العقل اللاهوتي وعقلية القرون الوسطى.