عبد الأمير المجر
قبل سنين قلت للأصدقاء إن العراق اذا ما استقر أمنيا، فإنه سيواجه مشكلة ضبط الحدود للحد من دخول العمالة الأجنبية غير الشرعية.. ربما فهم كلامي هذا في حينه على أنه نوع من التفاؤل بما لن يحصل، كون التشاؤم كان كبيرا جدا، لكني لم أكن متفائلا بأن الحياة ستكون وردية في العراق، وإنما سيكون تحسن الأوضاع الأمنية مدخلا لمشاريع كثيرة،
بالإضافة إلى حاجة الكثير من المرافق الخدمية والفنادق وغيرها إلى أيدي عاملة (آسيوية تحديدا)، وهنا سيكون الفساد حاضرا هذه المرة، اي ستتكفل مافيات تهريب العمالة بذلك، لاسيما أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في اغلب البلدان الاسيوية ستوفر سيولة بشرية، إن جاز التعبير، للمافيات العابرة للحدود ويصبح تدفق العمالة غير الشرعية إلى العراق غير مسيطر عليه وهو ما نلحظه اليوم، ونلحظ ايضا تفننا في جلب أنواع من هذه (العمالة) التي لاعلاقة لها بالسوق، وإنما للتسول الذي غزا الشارع العراقي لنساء آسيويات ومعاقين، ما جعل الناس تتساءل عن كيفية دخول هؤلاء إلى العراق ومن سهّل لهم ذلك ومن يؤويهم ويقف وراء عملهم هذا وكيف يحميهم.. الخ من الأسئلة، التي باتت تتكاثر مع تكاثر المافيات التي تقف وراء هذه
اللعبة.
لا شك أن الأمر يدعو إلى وقفة جادة من قبل الدولة، لان هناك من يتحدث عن أعداد مليونية من العمالة غير الشرعية، وأن أي مواطن يستطيع ان يرى كثافتها في مرافق الحياة المختلفة، اذ تجدهم في الفنادق والمحال التجارية والمكاتب والمطاعم والمخابز، حتى منطقتي وهي أحد أحياء بغداد شبه الشعبية، يوجد الكثيرون من العمال الآسيويين في اكثر من موقع عمل.. لسنا ضد وجود هؤلاء ابدا، بل أن هناك حاجة لهم فعلا، ولكننا نؤكد هنا أن وجودهم بأعداد كبيرة جدا وبطريقة غير شرعية يجعل من حقوقهم هم أولا عرضة للخطر، لعدم وجود ضمانة رسمية تجعل الدولة مسؤولة عن أوضاعهم التي تحفظها البروتوكولات الموقعة بين الدول، لتنظيم عملية دخولهم وعقودهم.
الخ، وهذه كلها تصبح غير مضمونة مع المافيات التي تتعامل معهم كأرقام للربح وتتاجر بهم في مجالات تثير الشبهات ايضا، فمثلا كيف يدخل العراق شخص معاق بشكل كبير ويستجدي في الشارع، وكذلك نسوة يحملن اطفالا رضعا ويتسولن، وما الفائدة التي يجنيها العراق من دخول هؤلاء، ولعل هذه الحالة بحد ذاتها، تستدعي أن يتم التحقيق فيها ومعرفة الجهات التي وقفت وراءها، وأين تذهب الأموال التي يجنونها وغيرها من
الأسئلة.
نعم، يستفيد البعض من العمال الآسيويين لقلة الاجور التي يطلبونها قياسا بالعمالة الوطنية، وان مصاريف توفير الطعام لهم من قبل اصحاب العمل باتت غير مكلفة في العراق.
اما بالنسبة لهم فإن إرسال ولو مئة دولار شهريا من قبل العامل الآسيوي لبلده يعد مكسبا كبيرا له ولعائلته بسبب فارق العملة هناك، وهذا ما يجعلهم يقبلون بأي فرصة عمل، لكن وجودهم بأعداد مليونية يعني خروج مبالغ طائلة من العملة الصعبة خارج
البلاد.
لقد كتبنا اكثر من مرة، عن ظاهرة التسول المنظم ووصفناه بالإرهاب الثالث، اي أنه رديف ارهابي السلاح والفساد، ولعله نتاج لهما أو من مخرجاتهما، وهو ما ينبغي على مؤسسات الدولة المعنية أن تضع حدا له.. ولعل حادثة العمل الإرهابي الأخير، الذي استهدف مائدة الإفطار في الاعظمية ترسم أكثر من علامة استفهام عن فوضى دخول العمالة الاجنبية وضرورة
تنظيمها.