سياسة النأي بالنفس ، الخيار الوطني الوحيد .. لماذا ؟

آراء 2019/05/30
...

عبد الحليم الرهيمي
 

بينما تتصاعد حدة التوتر والصراع بين الولايات المتحدة وايران ، يتواصل السجال والتباين في مواقف العراقيين الرسمية والشعبية والحزبية الكتلوية سواء حول العقوبات الاميركية الجديدة التي فرضتها على الجارة ايران منذ اكثر من عام ، او حول اتساع نطاق الحشود العسكرية لقوات الطرفين المتصارعين ، او حول احتمالات انفلات الاوضاع ونشوب حرب محدودة او واسعة النطاق بينهما ان لم تتكثف الجهود الاقليمية والدولية لمنع وقوعها أو – وهذا مهم جداً – لتجنب جعل العراق أحدى ساحاتها ومنع تأثيراتها وتداعياتها السلبية المحتملة عليه . 
والتساؤلات الملحة التي تطرح في هذه السجالات هي : ما الموقف الان من العقوببات الاميركية الجديدة التي فرضت على ايران ؟ وما الموقف من التصريحات والوساطات المقترحة بين ايران واميركا والدول الخليجية ؟ وماذا سيكون الموقف الوطني المطلوب من العراق والذي يحظى برضا وقبول غالبية العراقيين فيما لو اندلعت الحرب بأي شكل من أشكالها ، وهو الأمر الذي لا يتمناه كثيرون وفي مقدمتهم الغالبية العظمى من الشعب العراقي ؟ 
ابتداءً كان موقف العراق من فرض العقوبات بمثابة (بروفه) للمواقف التي سيتخذها العراق لاحقاً ومع تطور مسارات الصراع ، وكذلك التي ستتخذها التيارات والكتل السياسية ، وما سيعبر عنه الرأي العام الشعبي بمختلف الوسائل . 
ومع تصاعد التوتر والصراع بين واشنطن وطهران في المواقف السياسية والاعلامية والتهديدات العسكرية المتبادلة ارتبكت في سياق ذلك مواقف القوى والتيارات السياسية ، والتي جرى التعبير عنها في الفترة الماضية ، لاسيما بعد اطلاق قذيفة كاتيوشا بالقرب من السفارة الاميركية في المنطقة الخضراء والزيارة الليلية القصيرة لوزير الخارجية الاميركية بومبيو الى بغداد والاجتماع الى رئيس الحكومة والتي تسرب منها التحذير من تكرار هذه المحاولة ومسؤولية الحكومة في ضبط ما يمس امن الاميركيين في العراق وقد جرى تفسير هذه الزيارة بأنها محاولة لجر العراق الى الجانب الاميركي في هذا الصراع مثلما جرت وتجري محاولات موازية لايران لجر العراق الى جانبها ، كما فسر ذلك كثير من المراقبين والمحللين . 
وفي ظل هذه الاوضاع المتأزمة والاحتمالات السلبية المحتملة لتداعياتها ، يصبح واضحاً للجميع ، ان موقف العراق المطلوب هو نهج سياسة النأي بالنفس ، كخيار وطني وحيد يحظى ، كما هو متوقع ، بالاغلبية العظمى من العراقيين بمن فيهم جماعات سياسية ومسلحة توصف بأنها حليفة او متعاونة مع أيران ، غير ان الأخذ بهذا الخيار ، كخيار وطني وحيد ، يتطلب حرصاً كبيراً وجاداً من الدولة : حكومة ورئاسة جمهورية وبرلمان ومن التيارات والكتل السياسية على تطبيقه في مواقف عملية على صعيد الواقع.
وبالطبع فأن تطبيق سياسة النأي بالنفس باعتبارها الخيار الوطني الوحيد لمصلحة العراقيين والعراق يتطلب : اولاً ، مواصلة الجهود الرسمية لتهدأة التوتر بين واشنطن وطهران املاً في المساهمة بتحقيق انجاز فعلي على هذا الصعيد ، فضلاً عن أعطاء أحد الادلة على سياسة العراق الحيادية ، اضافة الى واجب الحكومة في تطبيق سياستها بـ (ضبط) التصريحات الرسمية التي لا تتطابق مع تلك السياسة ومع جهود التهدئة كما عبرت عنها االتصريحات الاخيرة لوزير الخارجية  اما الامر الثاني فهو بذل الرئاسات الثلاث الجهود الكبييرة في الحوار مع قادة الكتل والتيارات لاسيما المتعاطفة مع ايران (ضبط) تصريحاتها ومساندة موقف الحكومة والرئاسات الثلاث لسياسة النأي بالنفس والاخذ بالخيار الوطني الوحيد اما الامر المهم الثالث فهو سعي الحكومة المستمر للتوضيح الى الرأي العام العراقي الدوافع والاسباب الرئيسة التي دعتها لأنتهاج هذه السياسة وخيارها وهو تقديرها لخطورة انحياز العراق لأحد الطرفين المتصارعين ليس فقط للتداعيات الكارثية المحتملة لان يكون العراق احدى الساحات الرئيسة للحرب ، انما ايضاً للمعارضة التي يبديها المكون الكردي العراقي واحزاب السياسة الاقليم وكذلك معظم المكون السني العراقي واحزابه فضلاً عن اكثرية المكون الشيعي العراقي وتياراته ووكتله والتي كان احد تعبيراتها المهمة هو التظاهرات الكبيرة التي جرت يوم الجمعة المنصرم في بغداد والبصرة ومحافظات اخرى والتي دعت الى السلام ووقف الحرب والحياد وعدم الانحياز والتي عبر قادتها من سياسيين ورجال دين بأن جر العراق الى احد طرفي الصراع والاحزاب إذا ما نشبت سيكون نهاية االعراق  وهي الحقيقة التي يجب ان يتوقف امامها الجميع ويتأمل بدلالاتها .. وبالمعنى المقابل لسياسة النأي بالنفس كخيار وطني وحيد !