سناء الوادي
كانت ليلة الثاني والعشرين من آذار الماضي ليلةً داميةً بكلِّ ما تعنيه الكلمة، اتشحت بعدها موسكو بالأسود لون الحداد على أرواح مئةٍ وأربعين من الضحايا الأبرياء إثر حادث إرهابيٍّ ضرب قاعة «كروكوس» للحفلات في قلب العاصمة الروسية، فهل سيأمن الغرب على نفسه بعد الآن من أنياب الدُّب الروسي الجريح
خاصةً وأنَّ سيد الكرملين فلاديمير بوتين لم يصدّق الرواية التي خرج بها تنظيم داعش لوسائل الإعلام بتبنيه هذا الهجوم وعلى الرغم من القبض على أربعةٍ ممن قاموا بإطلاق النار داخل القاعة واعترفوا بانتمائهم لإرهاب داعش، فهل استشعر بوتين أيادي أمريكية ـ غربية خفية وراء الهجوم أم أنَّه لا يريد التسليم بمعطيات الواقع لغايةٍ في نفسه.
وفي سياقٍ متصل وقبل تفنيد الأسباب التي قد تدفع داعش عموماً لاستهداف روسيا، فإنما يذكّرنا هذا الحادث بما جرى في آذار أيضاً من العام 2019م في نيوزيلندا عندما قام استرالياً متطرفاً بالهجوم على مسجدين وإطلاق النار عشوائياً على المصلّين مما أسفر حينها عن قتل 51 شخصاً، وهاهنا تشابهت طريقة تنفيذ الهجومين واختلفت عن الأسلوب الانتحاري، الذي تنتهجه داعش لإخفاء أي خيطٍ يسهل تعقبها، ولربما في ذلك إشارة أولية أنَّه قد يكون لداعش إصبعاً واحداً فقط في هذا ألا وهو الشمّاعة الإرهابية، لكنه في حقيقة الأمر فلا التخطيط ولا التنفيذ يمتّان لها
بصلة.
وبغض النظر عن الأسباب الواهية التي خرجت لنا بها التحليلات الإعلامية والتي عادت إلى أصول العداء بين الاتحاد السوفياتي والجماعات الجهادية التي واجهت غزو موسكو لأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وعن كون اتهامها بأنها هدفٌ أزليٌّ لداعش وذلك لاستهدافها المسلمين في الشيشان بحربي الشيشان الشهيرتين، ناهيك عن دعم الرئيس بوتين القوي للدول المحاربة للوجود الداعشيّ على أراضيها، لكن ماذا لو دققنا في توقيت هذا الحادث، الذي أعقب فوزاً ساحقاً لسيد الكرملين بالانتخابات الرئاسية وفي ذلك دليلٌ واضحٌ على الالتفاف الشعبي الكبير حول بوتين ودعمهم لحربه على أوكرانيا ووقوفه بوجه الناتو، فضلاً عن التقدم المتسارع للقوّة الروسية في جبهة القتال ما ينبئ باقتراب استسلام كييف، وعلى المقلب الآخر فإنَّ الاستقرار والطمأنينة، التي يشعر بها المواطن الروسي تزعج الأطراف التي كانت تبتغي زعزعة الهدوء وبث الذعر وهو ما فشلت به العقوبات الأمريكية والغربية التي استهدفت روسيا حيث كان من المفروض أن تضّيق الخناق على أبناءها.
وإذا أردنا الغوص في أعماق الموضوع وبنظرةٍ فاحصةٍ شموليةٍ لكلِّ مجريات الأحداث في الشرق الأوسط وعملاً بالقاعدة السياسية التي تقول «فتّش دوماً عن المستفيد»، إذاً فلنعد قليلاً للوراء ونستذكر الهجوم الإرهابي الذي ضرب إيران أثناء إحياء ذكرى اغتيال قاسم سليماني قبل ثلاثة أشهر وتزامن ذلك مع الضيق، الذي اعترى أمريكا جرَّاء فتح جبهات جديدة على إسرائيل دعماً لقطاع غزة، ناهيك عن تعالي الأصوات المطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق بعد إخماد نار التنظيم فيه وإنهاء الحاجة للوجود العسكري لواشنطن، وتمثّل ذلك بضرب السفارة الأمريكية في بغداد، أمّا على الجانب السوري، فنشطت حركة داعش في الأشهر الأخيرة الماضية بعد إبداء أمريكا رغبتها بالانسحاب منها، وتسليم الأمور لقوات قسد الكردية، حيث إنها من أشدّ المعادين لداعش.
إذاً وبالنتيجة ستخفت تلك الأصوات المطالبة بالخروج الأمريكي، إضافة إلى عودة تصدّر ملف محاربة الإرهاب على طاولة الاهتمام العالمي مجدداً، وكنت قد أشرتُ في مقالٍ سابق إلى ظاهرة الإسلاموفيليا، التي بدأت تنتشر في الغرب وتدعو لمحبة الإسلام وهو ما لم يعجب اليمين المتطرف المتفاقم في عدة دول والمروّج الرئيس لظاهرة الإسلاموفوبيا وتزايد عدد المسلمين والخوف من غزو أوروبا مستقبلاً «حسب زعمهم» وهنا تبرز الحاجة الملحة لتشويه الإسلام وإلصاق الإرهاب بعمامة الدين.
ومن هنا نلحظ حالة التأهب الأمني القصوى التي تلفُّ الدول الأوروبية وعلى وجه التحديد فرنسا، فهل يخشون من الإرهاب أم من توحش الدب الروسي الذي لم يقتنع برواية داعش ويرى تورط أمريكا والغرب في بلاده ملء العين، وهو ما يجعلهم يتوقعون منه توجيه سهام الرد الانتقامي إلى أوكرانيا وإلى الوجود الأمريكي والغربي في سوريا والعراق وقد تقف داعمة للحوثيين في اليمن بشكل علني، فضلاً عن ترسيخ وجودها في معاقلهم في شمال إفريقيا، وفي هذا يكون بوتين قد خلط الأوراق وأسقط منها ورقة داعش التي تمسكها أمريكا كحجر الدومينو وتحركه كيفما أرادت.
كاتبة سورية