طهران: محمد صالح صدقيان
تعيش الجمهورية الاسلامية الإيرانية اجواء رمضانية متميزة شانها شان بقية الدول الاسلامية التي تحتفل بشهر الطاعة والخير والبركات شهر رمضان المبارك خصوصا وانه صادف هذا العام مع “عيد النوروز” وراس السنة الايرانية التي تبدأ في 21 من شهر مارس اذار من كل عام .وتمتاز ايران بتعدد مراسم استقبال الايرانيون لشهر رمضان المبارك وعاداتهم في ايام هذا الشهر الفضيل علی خلفية تعدد القوميات والمناطق ؛ في الوقت الذي تسعی المؤسسات شبه الرسمية كالبلديات ومؤسسات المجتمع المدني باقامة افطار جماعي في المناطق العامة والساحات العامة اضافة الی المساجد ودور العبادة والمراقد الدينية ؛ في حين تنشط جمعيات شعبية متعددة لمساعدة الفقراء عبر توزيع حصص تموينية .
وتتنوع هذه العادات في استقبال الشهر المبارك تبعا للموروث والعادات للمناطق الايرانية المختلفة حيث القوميات الكردية والاذرية والعربية والبلوش والسيستانيين واللر والطبريين المنتشريين في ربوع المساحة الجغرافية إلايرانية .
ففي مدينة شيراز مركز محافظة فارس يستقبل السكان شهر رمضان المبارك برمي الحجارة، ويسألون البارئ المغفرة والتوفيق لصيام رمضان بالقول “ربنا اغفر لنا ذنوبنا، وها نحن تركنا أعمالنا البذيئة كهذه الحجارة التي قمنا برميها على الأرض”. وقبيل الغروب في آخر جمعة من شعبان، يخرج الناس من البيوت إلى الطبيعة حاملين معهم قطعا من الطين الجاف، ويقومون برميها على الأرض لتتلاشى؛ إيمانا منهم بأن أداء هذه الطقوس سيمحو ذنوبهم وسيئاتهم.
اما في محافظة خوزسستان حيث الغالبية العربية فان عاداتهم لاتختلف كثيرا عن عادات دول الجوار كالعراق والدول الخليجية حيث تبقی ليالي شهر رمضان عامرة بالتزاور ومساعدة المحتاجين والفقراء واقامة ولائم الافطار ؛ في الوقت الذي تشهد مدن كالاهواز وعبادان مراسم “قرقيعان” التي يمارسها اطفال وفتيان الاحياء المختلفة الذين ينشدون “يا أهل السطوح تعطونا لو نروح”. اللافت ان منظمة التراث الثقافي والسياحة الإيرانية قامت عام 2017 بتصنيف تقاليد قرقيعان ضمن قائمة التراث المعنوي للعرب في إيران.وليس بعيدا عن المناطق الجنوبية، يقطن البلوش شرق ايران وتحديدا في محافظة سيستان وبلوشستان المحاذية للحدود مع باكستان وأفغانستان. وتشتهر المناطق البلوشية بنشاط المسحراتي طيلة الشهر الفضيل، إذ يمر شخص من كبار السن في الشوارع والأزقة ينشد عبارات مسجوعة وأبيات شعرية متناغمة لإيقاظ الناس للسحور. ومن العادات الأخرى التي يسعى البلوش إلى الحفاظ عليها قدر المستطاع تقليد “آرك وبرك” (بمعنى الأخذ والعطاء)، حيث تقوم العائلات بتقديم جزء من وجبة الإفطار إلى الجيران وكل من تصله رائحة الطعام التي تعده العائلة، وبذلك يتقاسم أهالي القرى طعامهم في الإفطار.وفي شمال شرقي ايران حيث يقطن التركمان فانهم يستقبلون الشهر الفضيل بالتوجه الی الاماكن المرتفعة والأسطح العالية من أجل تحري هلال الشهر المبارك، معتقدين أن الشخص الذي يرى هلاله قبل الآخرين يحصل على أجر وثواب كبير؛ ومن يحالفه الحظ ويستهل شهر الصيام، فيبادر إلى قراءة آيات شريفة من سورة البقرة، ويعلن بصوت عال وبفرح وسرور رؤيته هلال رمضان. ومن التقاليد التركمانية الأخرى في رمضان “مراسم المصالحات”، إذ يقوم المخاتير المعرفون “بياش أولي” بدعوة الأشخاص المتخاصمين في منازلهم، لحلحة الخلافات ووضعها جانبا تمهيدا للدخول في شهر الطاعة.اما الاذريون الذين يشكلون 30 بالمئة من سكان ايران فانهم يقطنون في المحافظات الشمالية من ايران . ومن تقاليدهم وعاداتهم خياطة أكياس البركة في الأيام الأخيرة من رمضان؛ ففي يوم 27 من الشهر المبارك تحمل النساء الصائمات كمية من القماش والخيط والإبرة معها إلى المسجد ؛ وبعد أداء صلاة الظهر يبدأن خياطة كيس أو أكياس قبل إقامة صلاة العصر. ويعتقد أهالي المحافظات التي يقطنها الآذريون -مثل أذربيجان الشرقية وهمدان- بأن كل من يدخل مبلغا من المال في هذه الأكياس يضاعف الله سبحانه وتعالى له ويبارك في أمواله. ودأبت بعض المناطق في إيران على حياكة أكياس البركة يوم الجمعة الأخير من رمضان، ثم يوضع فيها مبلغ يُحفظ بها حتى العام المقبل، إيمانا منهم بأنها تجلب البركة للبيت حتى رمضان العام المقبل.وتحرص المناطق الكردية في محافظة كردستان الايرانية الواقعة علی الحدود العراقية المشتركة واذربايجان الشرقية وكرمانشاه باقمة صلوات التراويح مع حلول الشهر المبارك في المساجد ؛ اضافة الی اقامة جلسات الاذكار ومجالس قراءة الادعية والتظرع لله سبحانه وتعالی .
وتعيش كافة القوميات الايرانية اجواء خاصة في ليالي القدر حيث مهبط القران الكريم حيث تجتمع العوائل الايرانية في المساجد والمراقد الدينية والساحات العامة لاداء مراسم هذه الليالي بالدعاء وقراءة الادعية والصلاة حتی صلاة الفجر .وعلی الرغم من حدة المشاكل الاقتصادية بسبب العقوبات المفروضة علی الاقتصاد الايراني الا ان العائلة الايرانية تعتقد انها معنية باداء مراسم وعادات الشهر المبارك اينما وجدت لانها مقترنة بالطاعات والاعمال التي تقربهم لله سبحانه وتعالی ومنها الانفاق في سبيل الله ومساعدة الفقراء والمحتاجين والتضرع لله سبحانه وتعالی بقبول الطاعات والاعمال كما هو الدعاء الذي يقرأه الايرانيون في بداية حلول السنة الجديدة “يا مقلب القلوب والأبصار، يا مدبر الليل والنهار، يا محول الحول والأحوال، حوِّل حالنا إلى أحسن حال” حيث اقترن هذا العام ربيع القران بربيع الطبيعة وكل عام وانتم بخير .