عمان : يعرب السالم
تُشكل القهوة عند القبائل البدوية والأردنيين عموما عادة متأصلة في ممارستهم اليومية، وقد ربطوا كثيرًا من أفراحهم وأتراحهم بشرب القهوة لما لها من دلالات ومعاني وقيم يعتزون ويتفاخرون بها الى يومنا هذا.والقهوة العربية تُقدم للضيف تعبيرا عن الإعتزاز والتقدير والإحترام والترحيب، كما أنها تعد أحد أهم مظاهر الكرم المتأصلة في ضيافة العرب، وبالذات في الحياة البدوية الإجتماعية في بادية الجزيرة العربية، فهي تعبر عن الفرح والحزن والكلام المسكوت عنه الذي لا يمكن قوله باللسان، إضافة إلى مكانتها الثقافية في التراث الشعبي العربي، ولفناجين القهوة وطريقة التقديم دلالات ومسميات.
فالنفجان الأول يسمى الهيف، الذي يشربه المعزّب أمام الضيوف ليطمئنهم أن القهوة خالية من العيوب، أما الثاني فيسمى الضيف، وهو واجب الضيافة ويشربه الضيف في الحالات العادية، أما الثالث فهو الكيف، وللضيف أن يقبله أو يرفضه بواسطة هز الفنجان، والرابع هو السيف، فإذا شربه الضيف فذلك عهدٌ غير مكتوب بين الضيف والمعزّب أن يدافع عنه في حالة الإعتداء عليه.ويعتمد الأردن في إستيراده للقهوة من بلدان عديدة لأن الإنتاج المحلي لا يكفي، ومن هذه البلدان اليمن والهند والبرازيل وأثيوبيا وكولمبيا وغيرها. ويبلغ معدل إستهلاك عموم الأردنيين للقهوة ما يقارب من (25 الى 45) طن سنويا، بحسب تقدير دائرة الكمارك لعام 2023، وقد تزيد أو تنقص الكمية حسب العرض والطلب، ولابد من ذكر ان نبتة القهوة تزرع إما عن طريق البذور أو عن طريق العُقل. وأفضل وقت لزراعتها هو بداية فصل الربيع، وتستغرق نبتة البن في نموها من (3 الى 4) سنوات، ويستمر انتاجها لمحصول البن بعد نموها من (10 الى 20) عاما. كما يبلغ طول نبتة البن من (3 الى 4) أمتار، وهناك نوع خاص يصل الى (10) أمتار، وافضل الأماكن لزراعة البن هي الأماكن الإستوائية. وأنواع القهوة في التقديم هي إما السادة أو الحلوة أو الوسط والذي أضاف السكر للقهوة هم الأتراك، ومن فوائد القهوة انها من المذيبات الطبيعية وتستخدم للعلاج، وبالذات لمن يعانون من السمنة فهي منشطة للكبد كونها تحتوي على مضادات أكسدة مفيدة للجسم والصحة.وطرق إعداد القهوة قد تتنوع لكنها تتفق بالنهاية أنها تحمس بالمحماسة التي توضع على النار، وتحرك بواسطة يد حديدية، ويراعى في ذلك أن لا تحترق، لئلا يتغير طعمها.وبعد أن يتم تحميص القهوة في المحماس، يأتي دور المهباج أو المهباش، وهو جرن خشبي لطحن القهوة وتسميه العرب العزّام، لأن صوت دقته في البيوت أو المضايف هو دعوة وعزيمة لشرب القهوة. وقد اشتقت الكلمة كلفظ عربي من (هبج، يهبج، هبجاً) أي ضرب ضربا متتابعا والهبج هو الضرب المتواصل بالخشب. وتصنع عصا المهباش (الاسم العامي لها) من خشب الكينا أو الروز أو الجوز أو المشمش أو البطم، وعليها نقوشات تكشف تاريخ المنطقة، ولها شخص مالك يقوم بطحن القهوة من خلال الضرب بضربات ذات نغمة معينة، ناقلة رسالة للسامع أن تفضل واشرب القهوة. بالاضافة الى أنَّ القهوة تُعدُّ مشروباً شعبياً محبباً في معظم أنحاء العالم، وهي عبارة عن حبوب البن المحمصة والمحضّرة بطُرق مختلفة، ولها فوائد جسمانية كزيادة نشاط الدماغ وتحفيز الذاكرة لإحتوائها على مادة الكافيين التي تعد من المواد المنبهة.والقهوة العربية رفيقة دائمة للقبائل والعشائر الأردنية في جميع مناسباتهم، لما لها من صلة إجتماعية بالعادات والتقاليد، ولعبت القهوة دورًا في الأفراح وعند طلب العروس، وكان لها القدرة على حل أكبر القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع الاردني أحيانا. فهي تعتبر دليل على الكرم والشهامة والنخوة عند البدو، وكذلك شراب أثير الى قلوبهم ومقدس لديهم، وطريقة تقديم القهوة فيها إشتراطات، فيجب على صبّاب القهوة أن يحمل الدلّة بيده اليسرى والفنجان باليد اليمنى، ويتم تقديم القهوة من اليمين إلى اليسار .ومثل ما للقهوة من مزايا ففيها عيوب ولها مسميات أيضا، ومن عيوبها أو مسمياتها، هي القهوة الصائدة، إذا وقع فيها أي نوع من الحشرات. أو القهوة المسربة، التي تبقى في آخر الدلة (رواسب القهوة). والقهوة الشايشة، التي تصب بعد الغليان مباشرة حيث تنتشر المواد الصلبة على وجهها، وهذه الأمور إن وجدت فإنها تدل على عدم دراية صانعها، وقلة خبرته.وتستعمل القهوة كقيمة إعتبارية بكثرة في المناسبات الاجتماعية المختلفة كخطبة العروس، والعطوة، والصلح، ودية القتيل، والجاهة. وفي حالة الجاهة توضع القهوة أمام كبيرهم (كبير الجاهة أو كبير القوم أو شيخ العشيرة) ولا يقوم بشربها، وهذا دليل أن لديه طلب من صاحب البيت، فيقومون بشربها بعد وعد من صاحب البيت بتنفيذ ماجاؤوا من أجله. وتقدم القهوة في دلال أو الدلّة المُصنعة من النحاس للضيوف. ولابد من ذكر ان موطن البن في الجزيرة العربية هو اليمن، والبن اليمني مشهور بجودته وقد تتشابه طرق إعداد القهوة الأردنية السادة عند الجميع، الا أن البعض يفضلها محمصة بصورة كاملة والأخر يفضلها محمصة جزئيا أو قليلا، وفي النهاية هي تمثل روح العشائر الأردنية العربية في الكرم والأصالة.