عادل الصويري
ليس بالإمكان ترسيخ مفهوم المواطنة في ذهنية الفرد، فيتحول إلى سلوك فعلي، قبل أن يتم الالتفات إلى ضرورة تعزيز التعددية، واحترام خصوصيات التنوع، بحيث لا يسيطر فكر أحادي ويفرض هيمنته المطلقة على طبيعة العلاقة بين الفرد والمجتمع؛ كون هذه العلاقة تمثلُ وعاءً يحتوي على المواطنة، وأي ارتباك أو خدش ثقافي يصيب العلاقة؛ سيؤثر سلباً على الحياة الاجتماعية، فتكون التعددية مأزقاً.
في كتابه (سياسة جديدة للهوية) يقول بيكو باريك: «يرى الأفراد أنفسهم ومجتمعهم والعالم من منظورهم الوحيد، ولا يخفقون في ملاحظة جوانب متعددة منهم فحسب، لكنهم يتخذون وجهة نظر منحرفة ومشوهة عما
يفعلون.
هم يقسمون النوع البشري على محور واحد، ويرون الأفراد والجماعات إما أصدقاء أو أعداء، ويتجاهلون عامة الناس وروابطهم المتداخلة.
وبما أن كل ما لديهم هو هوية واحدة، فقد أصبحت تستحوذ عليهم ويتشبثون بها باستماتة، ويخشون باستمرار من أن قهرها أو اختفائها قد يزعزع استقرار حياتهم»
هذه النظرة الأحادية نلاحظها اليوم في الواقع العراقي، فكل فئة اجتماعية تريد لفكرتها أن تتصدر على حساب الفئات أو المكونات الأخرى، وهذا يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل الأجيال الجديدة، التي تريد أن تعيش بعيداً عن عقد الماضوية، ومظاهرها التي تهدد قيم التسامح والتعايش السلمي.
الأحادية شرخ كبير في بنية الواقع الاجتماعي اليوم، وبسبب ظلالها المنعكسة على هذا الواقع، صرنا نعتاد أخبار الصراعات العشائرية وما ينتج عنها من عنف وعنف متبادل، فضلاً عن استخدام المتنفذين لسلاح الاعلام، وتعدد منابره؛ لمهاجمة فئات اجتماعية أخرى عبر النيل من خصوصيتها وعاداتها، واستهداف رموزها، مرة بالتراجيديا وأخرى بالكوميديا المبتذلة، التي تهدف إلى رفع عدد المشاهدات على حساب الموضوعية والقيمة الفنية، وبلغة هابطة أصبحت موازية للغة الحياة اليومية؛ بسبب ضخها في وسائل الاعلام، وما يستتبع ذلك من ردود أفعال تأخذ شكل السجال الانفعالي، الذي تغذيه سلبياً شبكات التواصل الاجتماعي.
وللتخلص من مظاهر الأحادية، وانعكاساتها؛ لا بد من الرهان على النظام التربوي، وأن نولي اهتماماً مضاعفاً في قضية تنمية الأجيال على أسس صحيحة متخلصة من شوائب الماضي ومن عقده ومخلفاته، خصوصاً تلك التي أشعلت المنطقة وهددت قيم السلم والتسامح والتعايش، وصار لمظاهر العنف الحضور الأبرز.
وأول ما يجب البداية به هو تطوير الأنظمة التعليمية بما ينسجم والنظرة العصرية للحريات، فالحصول على الموارد البشرية والطبيعية والمفكرين والمثقفين؛ لا يمكن أن ينتج مواطنة من دون أن يكون هناك أساس لنظام تعليمي وتربوي يهتم بتنشئة الأجيال، مدعوماً بمجتمع مدني متطور، ونظام ديموقراطي يرى الديموقراطية من خلال مفهومها الحقيقي وليس من خلال نظرته المعتمدة لمصالح فئات أو أشخاص أو إيديولوجيات، ولعل تجربة سقوط الاتحاد السوفياتي السابق ماثلة أمامنا، وهي الدولة العظمى التي كانت تمثل مع الولايات المتحدة الأمريكية قوتين عالميتين كبيرتين، فمع كل ما تمتلكه من موارد سقطت؛ بسبب نظرتها الضيقة التي كانت ترى في غير الشيوعي أو غير المنسجم مع الشيوعية عدواً يهدد النظام.