لماذا لا نقوي خيال التلاميذ..؟

اسرة ومجتمع 2019/05/31
...

نوزاد حسن
 في الفيلم التركي “ابي ملاك” يخاطب بطل الفيلم الذي سجن لمخالفته قوانين العمل في تركيا زوجته التي طلقها قائلا:ان عليها ان تحمي ابنهما من الحقائق.وبعد ان تأكد البطل ان ابنه الذي كان يعيش معه سينتقل مؤقتا للعيش مع امه المطلقة الالمانية الجنسية قال لها هذا الكلام العميق. فماذا كان يعني بطل فيلم “ابي ملاك” بقوله ذاك.؟هل كان يعني ان الحقائق لها تأثير ضار في الاطفال.؟
  ان قصة الفيلم المعبرة بنيت على صراع اسلوبين في الحياة. اسلوب الاب وهو شخص بسيط مهرج يكسب عيشه من خلال قدرته على اظهار براعته في السير على الحبال، وتقديم بعض العروض المضحكة.كما ان الاب يمتاز بقدرته على خلق عالم جميل يحكي عنه لولده.عالم غير واقعي مليء بالجمال والنور.كان الاب يحرص على حكاية القصص لابنه الصغير على عكس الام الالمانية التي طلقها وعادت الى المانيا، كانت الام تتمتع بنزعة واقعية واضحة ولا تهتم كثيرا بالعالم الاخر الذي يحبه الاطفال جميعا وهو عالم القصص غير الموجودة امام عيونهم.لذا يمكن القول ان هذا الفيلم نموذج رائع لدراسة نفسية الصغار وتنشئتهم بعيدا عن اسوار عقولنا التي لا يستطيعون ان يتسلقوها.
  دعوني اولا اتحدث عن اضطهادنا اليومي للاطفال.ان ضربهم ليس هو الخطيئة الوحيدة التي نمارسها ضدهم بل هناك ما هو اقسى من اهانتهم بصفعة او سخرية.ان الطفل حين يبدأ باكتشاف الواقع فهو يستخدم طاقته النقية في هذا الاكتشاف،ان اهم اداتين يستخدمهما اي طفل في هذا العالم هما:المقارنة بين الاشياء، وتحطيم ثبات اللغة التي نستعملها، بهاتين الاداتين يشق الطفل طريقه في عالمنا المعقد. 
ونبدأ بمحاسبته اذا اخطأ في كلامه، او تخيله. الاطفال يزعجوننا لانهم يكثرون من الاسئلة، كما انهم لا يقتنعون كثيرا بعالمنا، لكننا نروضهم كحيوانات برية لادخالهم حظيرتنا الواقعية.وهنا خلف سياج الواقع يخسرون شيئا فشيئا امكانيتهم التخيلية، ورغبتهم في المقارنة. وحين نقضي تماما على عالمهم، نضخ في دمهم حقائق هذا العالم الذي صنعناه من روتين بائس.
    كان بطل الفيلم يحاول ان يوصل هذه الرسالة للمشاهدين، ان الحقائق خطرة. وما هي هذه الحقائق لا شيء لان كل انسان له حقيقته الخاصة التي يرى ان الاخرين لا يفهمونها.
  حين يقول طفل صغير لابيه:بابا انا حلمت بك، يسأل الاب:بماذا حلمت، يقول الابن:بابا حلمت اني احبك.لاحظوا قوة التخيل.في العادة تكون الاحلام ايا كانت من تفاصيل معينة.اما ان يكون مضمون الحلم هو الحب فهذا يعني ان موضوع الحب لا يتغير انه الحب بلا شكل خارجي.والغريب ان هذا الطفل حلم بمضمون الحب لكنه لم يقل ما هو ذلك المضمون.
  لتكن هذه مقدمة الحديث عن ضرر الحقائق التي نصدقها نحن اثناء عيشنا.ان مضمون الحب مثلا في اسلوب ذلك الطفل يعني اننا نحاول تصنيف الاشياء لكي نبقى واقعيين.وافضل حل واقعي لنا هو الروتين.العقل يلمع روتين الحياة تلميعا رائعا.
ويقوم العقل بتنظيم هذا الروتين لكي يكون هدف الحياة بحد ذاته.الاطفال ليسوا روتينيين.انهم ثوريون بكل معنى الكلمة.الاطفال يحطمون زجاج العقل البراق الذي يلمع روتين حياتنا البائس.في كل خدش للعقل يشعر الاباء ان اطفالهم مزعجون لانهم لا ينسجمون مع حدود العقل التي تصطدم بثورية الخيال لدى صغارنا المحاصرين.لذلك بمرور الوقت يخسر الاطفال عالمهم الجميل.ويخسر بطل فيلم “ابي ملاك” لان ابنه الصغير عمر سيكتشف ان قصص والده لم تكن الا حكايات صدقها ويرفضها الواقع. وعلى هذا الاساس يجدر بنا القول انه يجب ان تضع وزارة التربية خطة تربوية تقوي خيال الاطفال، وعدم اهمال طاقات الصغار لانها طاقات فاعلة خالقة.اذن كيف يمكن لوزارة التربية ان تنمي خيال الاطفال.؟
باختصار شديد يمكنها فعل ذلك من خلال تخصيص وقت لسرد قصص جميلة، ومن الممكن استخدام التقنية الحديثة في تقريب عالم الحكايات الى اطفال المراحل الاولى لجعلهم اكثر قدرة على الانسجام مع ذواتهم.ومن المؤسف ان اطفال مدارسنا الابتدائية يخسرون في كل يوم شيئا من قواهم الذاتية الى مستويات ارقى.ولا اظن ان امكانيات تطوير قدرات الاطفال لا تكلف شيئا ليقال ان مثل هذه الخطوة تتطلب مبالغ مالية وتخصيصات قد لا تصرف لاي سبب من الاسباب.
  يفضل الاطفال ان يتطوروا بعفوية.هذا لا يقولونه لكنهم يتصرفون على طبيعتهم التي لا يمكننا فهمها لاننا نعتقد انهم بحاجة الى الخروج من جلد طفولتهم بسرعة.ونستعجل في تمزيق ذلك الجلد لنراهم يشبهوننا ويصدقون تفاصيل الواقع اليومي بكل روتينه المزعج  وقليلا ما ننتبه  الى فضول احد ابنائنا حين يندهش لقصة نحكيها له.او حينما يفاجئنا بجملة تخرق صدأ اللغة العتيق، او حين يقذفنا الى بحر الخيال الكبير قائلا: انه حلم بمضمون الحب للاب.