صناعة الدمى توثيق للحياة الاجتماعية

اسرة ومجتمع 2019/05/31
...

بغداد/ شذى الجنابي
خرجت من عالم الصمت بصناعة السجاد اليدوي والفن التشكيلي ، واخذت تصنع الدمى الخزفية والقماشية التي تعد من أقدم الحرف اليدوية التي مارستها الجدات في الماضي، ولديها اكثر من 50 دمية مصغرة بملابس شعبية تمثل الحرف آنذاك بأزيائها التقليدية، والمهن البغدادية المعروفة لبعض الشخصيات. مثل بائع اللبلبي، واللبن، والچقچقدر، والخبازة، ولعبة الزولخانة ،والحفافة، وزفة العرس، ونساء يغزلن الخيوط ، وهناك من يمارسن التطريز والحياكة، والدمام في رمضان.. وغيرها بعرباتهم وأزيائهم الشعبية الجميلة، والمتمثلة بعرائس الدمى في اوبريت الليلة الكبيرة .
فنون متعددة
جاءت موهبتها بالفطرة منذ طفولتها وكان الداعم الاول لها والديها، إنها الفنانة التشكيلية الصماء “رشا علي” ذات الابتسامة المشرقة، اذ قالت: انا فنانة بالفطرة وموظفة في معهد الحرف والفنون الشعبية/ قسم السجاد اليدوي / وخريجة المعهد ذاته ،، فقدت القدرة على الكلام منذ ولادتي ،  كان شعور بداخلي يحفزني بوجود طاقة اكثر من مجرد كوني موظفة يجب استثمارها بالعمل،  توفي زوجي وترك لي بنتا واحدة بعدها تزوجت من زميل تخرج في المعهد وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، مارست الفن التشكيلي وصناعة السجاد اليدوي، وصناعة الدمى بفنونها الشعبية، فضلا عن الرسم بالحناء بأشكاله المختلفة، كما احب النحت على الشمع والصابون بطريقة التقنية الحارة وعملت في تطويرها من خلال اطلاعي المستمر بالانترنت.
 
طفولتها
اكدت منذ طفولتي احب شراء الدمى التي ألعب بها مع صديقاتي، وهو الأمر الذي دفعني بعد ذلك إلى بدء خط جديد من الدمى المحلية التي تحمل ملامح عراقية بزي تراثي شعبي، سواء لون البشرة، أو لون العينين، وحتى تركيبة الشعر، وترتدي الأزياء العراقية التقليدية، مثل البرقع والشيلة والعباءة وحتى الجلابية المشغولة يدويا، كما أن التنوع شمل المواد المصنوعة منها، فتحولت الدمية إلى قماشية وخزفية بدلا من الخشبية والبلاستيكية، حاليا أعمل في مديرية التراث الشعبي في قسم السجاد اليدوي، لذا أصبح من السهل علي متابعة أعمالي بصورة 
دورية.
 
إرادة وإخلاص
اوضحت خلال دراستي للفنون في المعهد بذلت جهودا يصعب على الانسان الطبيعي أن يتخيلها، وبإرادتي القوية وإخلاصي في تعاملي مع الآخرين حالفني الحظ بالحرفة التي عشقتها منذ سنين طويلة وهي صناعة الدمى واتخذت من غرفتي ورشة لتطوير موهبتي بالاعتماد على الانترنت واليوتيوب الذي أخذت منه دروسا مجانية لصناعتها من رأسها  حتى أخمص قدمها، وتقوم ابنتي بمساعدتي في خياطة الأزياء بمقاسات صغيرة تلائم حجم الدمية، ومن ثم شاركت في دورات وورش جعلتني اتقن تلك الحرفة، حتى أصبحت مصممة ونقاشة ورسامة وخياطة في آن واحدة، إضافة الى قدرتي في صناعة الدمية، وحققت تقدما في تصميم تشكيلات جديدة عديدة من الدمى بازيائها التراثية، وأبدعت في صناعة أكثر من 50 دمية معظمها مأخوذة من القصص والمهن والحرف الشعبية التقليدية، وعرضت منتجاتي في البازارات والمهرجانات السنوية التي أقامها المعهد، والبعض الاخر موجود في المتحف التابع للمديرية .
 
 صناعة الدمى
استعرضت رشا صناعتها المتمثلة بالدمى التراثية قائلة:  الدمية القماشية تتكون من حبال عريضة وقطن أو صوف، وقماش أسود خفيف واخر من القطن الأبيض، إضافة إلى القطع الأساسية لخياطة البرقع، وغراء لتثبيتها وخيوط قطنية. 
وصناعتها سهلة وبسيطة، إلا انها تحتاج إلى دقة متناهية، اضافة الى الدمى الخزفية المصنوعة من الطين، يتراوح طول قامة كل منها بين بضعة عشرة سنتمترات، وكل جزء من أجزاء جسمها يصنع بالعمل اليدوي وغالبا ما تستغرق عملية تجهيزها بين 7 – 20 يوما، بسبب الوقت الطويل في صناعة أصابع الدمية التي لا يمكن إنجازها إلا لفترة ثلاثة أيام على الاقل لذلك تحتاج الى مهارة ممتازة وارادة قوية وصبر كبير، وقمت بتجهيز دمى مصغرة من المقاهي والدبكات والجالغي البغدادي، بينما حرصت طوال مسيرتي الفنية ان اجعل من الدمى عنصرا فنيا لتوثيق الحياة الاجتماعية  العراقية، هذا النوع من الفن اتخذته هواية ثم قمت بدراسته علميا قبل أن أبدأ بالعمل الفعلي، وقدم زوجي واهلي وزميلاتي في المعهد الدعم لاكمال مشواري.
ارث ثقافي
عن أهمية الدمى سياحيا اضافت ؛الدمية تقدم للزائر سواء أكان سائحا أو مواطنا عاديا معرفة فيها احساس ورؤية من جميع الزوايا، وبالتالي تقدم له معرفة أكثر مما هي صورة عادية ، نجد هناك اشخاصا يمتلكون ذائقة فنية ويعملون على اقتناء تلك الدمى التراثية ويقبلون على شرائها بهدف الحفاظ على التراث الشعبي والمساهمة بعدم اندثاره ، ولكن مع الاسف بعض المهن تلاشت على ارض الواقع لذلك سعيت بالتعاون مع مديرية التراث الشعبي العراقي بتجسيدها على شكل مصغرات للمهن المنقرضة والحفاظ على الارث الثقافي للحياة البغدادية.
 
عشقها للحرفة
اضافت شاركت في بداية مسيرتي بمعارض مشتركة مع عدد من الفنانين بلوحات تناولت المرأة العراقية والتراث البغدادي، بالرغم من إعاقتي لا اكف عن تطوير نفسي بالفن، وتنمية مهاراتي وقدراتي، وممارسة هوايتي، مثلي كمثل أي شخص معاقا، ولماذا الإحباط واليأس ان يستوطنا حياتي، عشقت هذه الحرفة واتقنها جيدا واضفت الكثير اليها من أفكاري، احب عملي وأحيانا ارفض ان ابيع لمن لا يفهم معنى القطعة التي اصنعها احتراما لجهدي ولقيمة ما اصنعه.