الولايات المتحدة تجاهد لإبقاء تأثيرها في غرب أفريقيا
راشيل تشاسون ومايكل بيرنبوم
ترجمة: بهاء سلمان
يبذل المسؤولون الأميركيون جهودا دبلوماسية عاجلة في غرب إفريقيا، ويبحثون خلال الجولات العامة والاجتماعات الخاصة عن طرق للشراكة مع الحكومات العسكرية وسط منطقة يتصاعد فيها العنف الذي تمارسه الجماعات الدينية المتطرفة، مع توسع لنفوذ روسيا.
لكن المسؤولين يواجهوا صعوبات أحيانا في توضيح الشكل الذي ستبدو عليه تلك الشراكة، خاصة وأن أنواع المساعدة الأميركية التي يمكن تقديمها بشكل قانوني شهدت انحدارا بعد الإطاحة بالحكومات المنّتخبة على يد العسكر في دول النيجر ومالي وبوركينا فاسو، بحسب مقابلات مع عشرات المسؤولين والمحللين والناشطين الأميركيين الحاليين والسابقين.
ويبدو أن المخاطر كبيرة بشكل خاص في النيجر، حيث نشرت الولايات المتحدة أكثر من ألف جندي، وتدير قاعدة لطائرات الدرون يقول المسؤولون إنها حيوية لمراقبة الجماعات المتطرفة في منطقة الساحل، التي تمتد عبر أفريقيا أسفل الصحراء الكبرى.
وتقول مساعدة وزير الخارجية الأميركية “مولي في”، مسؤول قسم الشؤون الأفريقية لوزارة الخارجية، إنّها لم تتصّنع كلماتها عندما سافرت إلى نيامي، عاصمة النيجر، خلال كانون الأول الماضي للتفاوض مع رئيس وزراء النيجر وأعضاء آخرين ضمن مجلس الوزراء. وأشارت إلى إنها حثّت المجلس العسكري في النيجر على إعادة بناء علاقاته مع الدول الأخرى، وخاصة الكتلة الإقليمية لدول غرب أفريقيا المعروفة بإسم المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، أو “إيكواس”، والتي ينظر إليها على أنها حليف في الجهود الرامية لاستعادة الديمقراطية إلى المنطقة. وشدّدت على أن المساعدات الأميركية ستظل معلّقة حتى تحدد النيجر جدولا زمنيا لإستعادة الديمقراطية.
تتذكر مولي قائلة: “لقد كان خيارنا شديدا وواضحا قدر الإمكان.” ولكن خلال الشهرين اللذين أعقبا ذلك الاجتماع، تحرّكت النيجر إلى حد كبير في الاتجاه المعاكس، حيث لم تعلن الحكومة بعد عن جدول زمني لإجراء الانتخابات، وما زالت تحتجز الرئيس المنتخب ديمقراطيا “محمد بازوم” قيّد الإقامة الجبرية.
عواقب غير سارة
خرجت كل من النيجر مالي وبوركينا فاسو من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مطلع العام الحالي بعد نحو 50 عاما من ارتباط بتحالف اقتصادي لدول المنطقة، ثم أقامت تلك الدول تحالفا خاصا بها لدول الساحل، ما أدى إلى تعميق الصدع داخل منطقة غرب إفريقيا بين الدول الثلاث التي يقودها الجيش وتلك التي لديها رؤساء منتخبون ديمقراطيا. وأعلن مسؤول من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا قبل عدة أيام رفع العقوبات المفروضة على النيجر، مما يمثل تخفيفا لموقف الكتلة في الوقت الذي تضغط فيه على الدول الثلاث لإلغاء قرارها.
من جهة أخرى، تواصل روسيا تحقيق مكاسبها في المنطقة. وجاءت زيارة مساعدة وزير الخارجية الأميركية “مولي في” إلى النيجر مباشرة بعد توقيع نائب وزير الدفاع الروسي، “يونس بيك يفكوروف”، على اتفاقيات أمنية جديدة مع المجلس العسكري. أما بوركينا فاسو، فقد وصلها خلال الشهرين الماضيين أكثر من مئة جندي روسي ضمن الفيلق الأفريقي، برئاسة يفكوروف، والذي وصفه مسؤولون روس بأنه يمثل المجموعة التي خلّفت مرتزقة فاغنر. وبالنسبة لدولة مالي، فيقدّر المحللون أن أكثر من ألف جندي روسي، كانوا ضمن قوة فاغنر في البداية وانخرطوا الآن مع الفيلق الأفريقي، ويقاتلون إلى جانب القوات المالية ضد الانفصاليين والمتطرفين المرتبطين بحركة داعش.
وخلال رحلة له مطلع العام الحالي، شملت ساحل العاج ونيجيريا، صرّح وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلنكين” إن وزارة الخارجية “تركّز بشكل مكثف على التحديات الأمنية التي تواجه منطقة غرب أفريقيا والساحل”. وحذر بلينكن دول المنطقة من عواقب تعميق العلاقات مع روسيا، مشيرا إلى أن أولئك الذين عملوا مع فاغنر لاحظوا بأن المشاكل “تزداد سوءا بشكل واضح إلى أبعد الحدود.”
ويقول الجنرال “مايكل لانغلي”، الذي يرأس العمليات العسكرية الأميركية في أفريقيا، إن الأمر متروك لصانعي القرار السياسي لتحديد حجم الوجود الروسي في النيجر الذي يمكن قبوله قبل أن تعدّل الولايات المتحدة وجود قواتها.
تقييم الوضع
وبينما تسعى الولايات المتحدة لمواصلة عملياتها في النيجر، يقول لانغلي إن وزارة الدفاع “تتفحّص خياراتها” أيضا لإبرام اتفاقيات أمنية جديدة مع دول غرب أفريقيا الأخرى، بضمنها غانا وتوغو وبنين وساحل العاج. وأشار إلى أنهم بدأوا يرون “انتشار العنف عبر حدودهم” في منطقة الساحل. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الشهر الماضي أن الولايات المتحدة تجري محادثات أولية بشأن نشر طائرات استطلاع أمريكية بدون طيار داخل مطارات غانا وساحل العاج وبنين.
وكانت قاعدة شمال النيجر الجوية، والتي تم بناؤها قبل ست سنوات بتكلفة 110 ملايين دولار، حيوية لمراقبة الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، والتي جعلت من أفريقيا، وليس الشرق الأوسط، مسرحها الرئيسي على نحو متزايد، بحسب لانغلي. ومنذ إنقلاب النيجر في تموز الماضي، إقتصر نشاط القاعدة الجوية على أعمال المراقبة لحماية القوات الأميركية.
وحذر لانغلي من أنه إذا أغلقت الولايات المتحدة قاعدة الطائرات بدون طيار، فإن هذه الخطوة ستكون “مؤثرة” على النيجر والمنطقة، وعلى استراتيجية الولايات المتحدة الأوسع لمكافحة الإرهاب؛ وأضاف: “إذا لم نتمكن من الرؤية، فلا يمكننا أن نستشعر الموقف. وإذا فقدنا موقعنا داخل منطقة الساحل، فإن ذلك سيقلل من قدرتنا على القيام بالمراقبة والتحذير النشط، بما في ذلك الدفاع عن الولايات المتحدة.”
ويقول “بيتر فام”، المبعوث الأميركي الخاص السابق لمنطقة الساحل، إن الولايات المتحدة مقيّدة في المفاوضات مع الدول الأفريقية، وخاصة تلك التي تديرها المجالس العسكرية، لأنها لا تستطيع تقديم نفس القدر الذي تقدمه روسيا عبر الدعم الأمني، بضمنها الأسلحة والأفراد على الأرض.
يقول فام: “الأمر أشبه بالطبيب الذي يشخص إصابتك بالمرض ثم يرفض كتابة الوصفة الطبية؛ فإذا لم نكن على استعداد لكتابة الوصفة أو إعطاء الدواء، فلن نتمكّن من الشكوى من مريض يذهب إلى شخص آخر يوزع العلاج، مهما كان ضارا.”
رد فعل أميركي
عندما أطاح الجنود في مالي برئيسهم خلال العام 2020، وهو الأول من نوعه ضمن سلسلة الانقلابات الأخيرة في منطقة الساحل، قامت وزارة الخارجية الأميركية على الفور بتجميد المساعدات الأمنية. لكن فام يقول إنّه ظل على اتصال وثيق مع القادة العسكريين في مالي، حتى عبر الاجتماع شهريا مع الرئيس المؤقت “اسيمي غويتا”.
وقال فام، الذي ترك منصبه سنة 2021 ولم يتم استبداله، إن العلاقة بين الولايات المتحدة ومالي تدهورت جزئيا بسبب قرار وزارة الخارجية خلال العام 2021 بمنع بيع جهاز إرسال واستقبال لطائرة نقل غير مسلحة كانت حكومة مالي تبحث عنه. وقال فام إن هذا أدى فعليا إلى إنهاء عملية الشراء، ما دفع حكومة مالي إلى تأمل مستوى الطائرات التي عرضتها روسيا. وأشار فام لاحقا إلى أن جنود فاغنر وصلوا إلى البلاد، وأصبح المسؤولون الماليون منغلقين بشكل متزايد، وطلبوا من الجيش الفرنسي، الذي كان يدير عمليات مكافحة الإرهاب في مالي منذ سنوات، المغادرة سنة 2022، ومن الأمم المتحدة إغلاق بعثتها العام الماضي. بعد ذلك، حوّلت الولايات المتحدة تركيزها الدبلوماسي باتجاه بوركينا فاسو، التي شهدت انقلابين خلال العام 2022، ولكن كان ينظر إليها آنذاك على أنها أكثر استعدادا من مالي لوضع جدول زمني لاستعادة الديمقراطية، وأقل اهتماما بالعمل مع روسيا. وحذّر وفد من البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية، كان قد زار بوركينا فاسو في تشرين الأول الماضي، الرئيس إبراهيم تراوري من أن العمل مع فاغنر سيشكل خطا أحمر.
كان كبار المسؤولين الأميركان يضغطون حتى الصيف الماضي من أجل تقديم حزمة مساعدات أمنية بأسلحة خفيفة لجيش بوركينا فاسو، تحت مبرر أن التهديد الذي يشكله تمرّد داعش والقاعدة يتطلّب اتخاذ إجراءات على الرغم من المخاوف بشأن انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الجيش والميليشيات المتحالفة معه؛ لكن يبدو أن مثل هذه الخطط توقّفت في أعقاب إنقلاب النيجر.
روسيا تقدّم خدماتها
لاحقا، إنتشرت فرقة مؤلفة من مئة عضو من الفيلق الأفريقي الروسي في بوركينا فاسو “لضمان سلامة زعيم البلاد، إبراهيم تراوري، وشعب بوركينا فاسو من الهجمات الإرهابية”، ومن المقرر أن يصل قريبا نحو مئتي عسكري آخر من روسيا، بحسب المجموعة. وقال تراوري عبر مقابلة أجراها قبل عدة أسابيع مع الصحفي “آلان فوكا” إن الروس يقدمون التدريب والمعدات لكنهم لم يقاتلوا بعد على الأرض، رغم أنهم سيفعلون ذلك إذا لزم الأمر.
ودون أن يذكر الولايات المتحدة بالاسم، انتقد تراوري الدول التي تدعي أنها صديقة لبوركينا فاسو لكنها تقول إنها لا تستطيع بيع أسلحة ثقيلة. “أين الصداقة؟” تساءل الرئيس؛ مضيفا أنه مع روسيا، لا توجد قيود على مبيعات الأسلحة، وهي تبيع جنود بوركينا فاسو “كل ما نريده”.
في النيجر، قال بعض السكان إن فوائد الوجود العسكري الأميركي لم تكن واضحة على الإطلاق، في حين يمكنهم أن يروا أن الروس ساعدوا مالي على استعادة الأراضي من المتمرّدين. وقالت “ماريا سالي”، وهي ناشطة من العاصمة نيامي: “نريد أن يأتي الروس. نحن ننتظرهم، ننتظرهم بفارغ الصبر.”
وحتى وقوع الإنقلاب، كانت النيجر تمثل النقطة المضيئة في المنطقة، حيث تتمتع بالحكم الديمقراطي والتعاون العسكري الفعّال مع فرنسا والولايات المتحدة. وقبل أسابيع قليلة من استيلاء القادة العسكريين للنيجر على السلطة، كان لانغلي يحضر مؤتمرا في ناشيونال هاربور، خارج العاصمة مباشرة، مع الجنرال النيجري “موسى بارمو” الذي درّبته الولايات المتحدة. يتذكّر لانغلي أنه كان بارمو يتبنى “التزامه بالديمقراطية والحكم المدني ومكافحة الإرهاب”. لكن في 26 تموز، كان بارمو من بين قادة الإنقلاب. يقول لانغلي: “لقد كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي أن يحدث هذا”.
صحيفة واشنطن بوست الاميركية