من أين تأتي القصائد؟

ثقافة 2019/05/31
...

صلاح حسن السيلاوي 
 طالما كنت، حينما انظر دواوين الشعر الكثيرة، اتساءل: من اين تأتي كل هذه القصائد،على اختلاف اشكالها، والتي تتفتق عنها قرائح الشعراء على اختلاف ازمنتهم؟، وأجدد هذا التساؤل الغريب المدهش عن هذه الاعداد الهائلة وكيف استطاعت ان تتكون وتمتلك مشاعرها وانثيالاتها ومفرداتها المعبرة لتكون دواوين،وتقف راكزة في مكانها تتعالى او تنخفض فتمنح نفسها اسما قابلا للحفظ والتميز احيانا، من اين يأتي الشعراء بقصائدهم التي تنساب في اعماقهم، جعلته سؤالا طرحته على عدد من الشعراء للاجابة عنه.
 
الشعر تأمل 
فقد اشار الشاعر والناقد جمال جاسم امين الى شكلين من الولادات للقصائد، فقال : الشعر بإختصار تأمل بوساطة لغة، ومن هنا تأتي القصائد، من الحلم او المكبوت و ربما الاحتجاج على السائد بما يعزز جبهة الحلم والانتظار..
واضاف: لكن اليوم ثمة جهة غريبة تأتي منها القصائد الخاوية، المصابة بفقر الشعر: تأتي من الخواء، الهذيانات التي لا تغني ولا تسمن، كل ذلك لان الانسان خالق الشعر يتعرض الى أعنف هزة ضميرية في ظل العولمة وثقافة السوق التي صارت تزن القصائد بـ (عروض) البورصات اللانسانية!
القصيدة بنت اللامعقول
 اما الشاعر رباح نوري فقد اكد ان القصيدة بنت اللامعقول، وقال:  يقول الجاحظ : (المعاني مطروحة في الأسواق) .. بمعنى أن الصور الشعرية والنثرية والإبداع بشكل عام موجود وعلى الشاعر الحقيقي أن يستدل عليه، تأتي القصيدة من لحظة واحدة .. تبدأ هذه اللحظة من قدحة او ومضة ذهنية تمر على بال الشاعر فيبدأ النص الشعري بالتكون .. حتى يكتمل كقصيدة .
واضاف: تأتي القصائد من معاني الحياة وصورها وآلامها وآمالها وتقاليدها وتجاربها الهادفة ..، تأتي القصائد من المعاني الجديدة التي يبتكرها الشاعر الحذق .. ليصنع معنى معجميا جديدا للمفردات .. تأتي القصائد من الخيال .. الخيال الخصب للشاعر الفذ .. وبهذا فإن القصيدة بنت اللامعقول .. نصا ومعاني وكتابة ومفردات .
 
القصائد لا مكان لبزوغها
من جانبه قال الشاعر هلال كوتا :من اين تأتي القصائد؟، هذا سؤال يُمثل صفعة للشاعر فولادة ونشأت الاشياء العظيمة من الصعب التحدث عن بزوقها، فالشعر له جلالته ويولد كبيرا منذ وهلته الاولى، وهنا السؤال حتما لا يقصد المكان، وانما المصدر ودون اي شك يأتي الجواب ومفاده من التجارب فالتجارب وحدها قادرة نتاج قصيدة.  واضاف: فالشعر بطبيعته مخاض والقصيدة لا تأتي دفعةً واحدةً وإن اتت فذاك مرده ان التجربة عميقة، فقد تكون التجارب ذاتية او مستوحات من قصص اشخاص اخرين وتَعتبر القراءة ايضا نوعا من انواع التجارب وهذا يعتمد بطبيعته على عمق التجربة وطريقة تناولها وربما لو تحدثنا بخيال يشبه الحقيقة نقول ان القصيدة تولد مثل الحلم وتبقى وتعيش حلما جميلا، وقد يكون ذلك الحلم مادة خام لمثل ما او حكمةً او قراءة لتاريخ وتجارب او املا او ذكرى . 
 
في القصيدة يكمن الجمال
وقال الشاعر امين جياد : تجربة الشاعر تحدد طبيعة ما يكتبه، عبر وعيه وادراكه الفلسفي والشعري والشعوري  ونظرته للحياة، من خلال ثقافته ولغته وصوره الشعرية . واضاف : فالتجربة الفلسفية والصوفية والتامل في الكتابة تختلف عما يكتبه الشاعر عن تجربة عاطفية للمراة، وتختلف حينما يكتب عن الوطن او احداث تمر به، وكلها تخضع لرؤيته وتميزه في القصيدة التي يكتب .
وأوضح : القصيدة مخاض ورؤية شاملة لموضوع معين، وتتحدد بالبناء اللغوي والفني والصور الأخاذة التي تنبع من خلال القصيدة نفسها، باعتبار ان الشاعر يكتب بوعي تام .القصيدة عالم محدد باشتراطات التجربة، ولا يستطيع الشاعر ان يكتب قصيدته من دون تجربة، ففي القصيدة يكمن الجمال ويكمن فيها عالم الشاعر نفسه .
منابع القصائد عجيبة
الى ذلك قال الشاعر عماد جبار : منابع القصائد عجيبة. في كل مرة عندما اردد قصائدي أجد ان هناك منبعا غاب عني لحظة الكتابة، لكنه اسلمني صورة أو معنى ما. اتفق نوعا ما مع رولان بارت اننا نحمل النصوص القديمة في ثقافتنا معنا، لكني أرفض نظريته عن موت المؤلف فهي تجرد المبدع من ابتكاره وصنعه بصماته الخاصة. 
واضاف: البارحة افكر في قصيدة قديمة حيث اقول فيها :أين امضي بقلب كقلبي/ أين ابصر في غير ارضي ربي/ تذكرت اغنية سعدون جابر يا طيور الطايرة (والـگلب جا وين اضمه)، المعنى ليس متشابها تماما لكن محاولة إخفاء القلب او حمله و المضي به عملية متشابهة.