باسم محمد حبيب
نسمع أحيانا من أطراف وشخصيات رسمية أن العراق كان في عصور أو عهود ما جزءا من دول أخرى، وأن هناك مصلحة أو ضرورة في استعادته، ولنا في بعض تصريحات الرئيس التركي أردوغان، وعضو مجلس النواب الإيراني يونسي حول عائدية العراق لهاتين الدولتين خير دليل على ذلك
هذا الكلام ليس مجرد مخاوف أو طرح أعلامي، بل أمر مستند إلى حقائق ووقائع على الأرض، ولكن لأنه غير واضح الأبعاد والمعالم فإن الإحاطة بكل جوانبه ستكون حالة صعبة وعسيرة، ولأهمية مثل هذا الأمر وخطورته فإنني سأدونه هنا ليس كتحذير فقط، بل وكدعوة لتلافي كل ما يؤدي إلى نجاح ذلك وتحوله إلى واقع أو أمر لا يمكن الإفلات منه.
وأول ما نبدأ به طرحنا هو الخطر الذي يتمثل بوجود من يشكك بأصالة الدولة العراقية، ويعرض أن تشكيلها حديث جاء بسبب حالة طارئة هي الحرب العالمية الأولى، التي تسببت بإنفصال العراق عن الدولة العثمانية، متجاهلين حقيقة أن ما حصل هو في المجمل أو بتناسق الأحداث جاء نتاجا لعوامل كثيرة منها: واقع المكان، حيث الطبيعة السهلية - النهرية المحاطة بهضاب واسعة وسلاسل جبلية طويلة، والتنوع السكاني، والتناغم الثقافي والحضاري، والأهم من ذلك الوجود التاريخي القديم للدولة على هذه الأرض، فحتى لو كان العراق الحديث صناعة بريطانية - كما يطرح البعض - فهذا لم يكن ليحصل لولا وجود مقومات أو أركان ثابتة للدول، جعلت هذه الصناعة ممكنة وذات ضرورة وفائدة، فما يطرحه البعض من آراء حول عدم أصالة الدولة العراقية هي في الواقع آراء تنفي أصالة كثير من الدول الأخرى، التي تتشابه مع العراق في ظروف النشأة والتكوين، فضلا عن المسار التاريخي لنموها، لأن ما شهده العراق من انقلابات وصراعات وانتفاضات وحروب داخلية وتدخلات خارجية وأطماع وتناحرات وتمييز وما إلى ذلك، هو في الواقع أمر عانت منه دول أخرى حتى وأن كان ذلك بشكل أقل تعقيدا مما عانى العراق منه، أما غياب الدولة لمدة طويلة قبل مرحلة التأسيس الأخيرة، أي في المدة من عام 1258 م وإلى عام 1920م، فهو أمر حصل أيضا مع دول أخرى لا سيما في هذه المنطقة المضطربة والمتصارعة، وبالتالي فإن أمر كهذا ليس غير صحيح فقط، بل وغير مبرر أو منسجم منطقيا.
لكن الأمر الذي يجدر التركيز عليه: هو حقيقة وجود مثل هذا المسعى أو التوجه حتى بصفته أمرا غير مقصود، بل نتيجة لخطوات غير موجهة أو محددة الغايات والأبعاد، وأمر كهذا لا يمكن إدراكه من سياسات عدد من الدول المحيطة في العراق فقط بل ومن تصرفات بعض الأطراف الداخلية أيضا شيعيا وسنيا وكرديا.. الخ، ففي ما يخص الدول المحيطة في العراق، نجد توجها من بعض هذه الدول لإبراز أن العراق يعد جزءا من نفوذها الحيوي وامتدادها الجيوسياسي، لا بل ونسمع أحيانا وبعضه من أطراف وشخصيات رسمية أن العراق كان في عصور أو عهود ما جزءا من هذه الدول، وأن هناك مصلحة أو ضرورة في استعادته، ولنا في بعض تصريحات الرئيس التركي أردوغان، وعضو مجلس النواب الإيراني يونسي حول عائدية العراق لهاتين الدولتين خير دليل على ذلك، إذ أخذت هذه الدول بالتدخل في الشأن العراقي، لا بل وخلق بؤر نفوذ لها داخله، مستغلة ما في العراق من صراعات وتباينات، أما تعاطي بعض الأطراف الداخلية مع وجود العراق، فالأمر الواضح أنه - في كثير من الأحيان - لم يكن سليما ومعبرا عن مصلحة وطنية، بل يبدو وكأنه أمر مفروض أو أنهم مرغمين عليه أو يحتاجونه كضرورة أو مصلحة آنية، بدليل وجود نهج شيعي بتكوين دولة بمواصفات إسلامية لا يتقبلها الآخرون، أي السنة والكرد، ووجود طموح سني بتأسيس إقليم خاص بهم يكون أكثر ارتباطا بالدول العربية من ارتباطهم بالشركاء العراقيين الآخرين، فيما لم يعد الطموح الاستقلالي للكرد خافيا أو قابلا للنكران، بعد الاستفتاء الكردي، لكن أخطر ما تواجهه الدولة: هو التحديات الاجتماعية المتمثلة بإنتشار الظواهر السلبية من تقلص دور مؤسسات الدولة، وتراجع مستوى كثير من الدوائر الحكومية ونقص ما يقدم من خدمات وأنتشار فوضى السلاح وتصاعد القبلية والعشائرية والتمييز العرقي والديني والطائفي والمناطقي، وما يخلقه ذلك من شعور لدى المواطن بأن الدولة غير موجودة، أو غير ضامنة لحقوقه أو حافظة لمصالحه.
وهكذا يتبين لنا أن وجود العراق كدولة، بات مهددا أكثر من أي وقت مضى، ليس من جراء ما يواجه من تحديات خارجية فقط بل ومما فيه من تناحرات وتعقيدات ومشكلات داخلية أيضا، ما يتطلب عملا حقيقيا و سعيا جديا للتصدي لهذه التهديدات، قبل أن تصبح حقيقة ويغدو العراق في خبر كان.