عمر الكون 27 مليار سنة والمادة المظلمة لا وجود لها
اريك رالس
ترجمة: أنيس الصفار
يتألف نسيج الكون على نحو ما نفهمه اليوم من ثلاثة مكونات أساسية هي: {المادة الاعتيادية}، و{المادة المظلمة}، و{الطاقة المظلمة}، بيد أن بحثاً جديداً قلب هذا النموذج العتيد رأساً على عقب. تقدم دراسة حديثة اجريت في جامعة أوتاوا ادلة دامغة تتحدى النموذج التقليدي المتفق عليه للكون، حيث تشير إلى احتمال عدم وجود حيز في هذا الكون للمادة السوداء.
في صميم النموذج {CCC+TL} الجديد
“المادة المظلمة” مصطلح يستخدم في علم الكون للإشارة إلى ذلك الكيان المراوغ الذي لا يتفاعل مع الضوء او الحقول الكهرومغناطيسية، ولا يمكن تشخيصه او التعرف عليه إلا استدلالاً عن طريق تأثيراته التجاذبية.
وقد كانت المادة المظلمة، على الرغم من طبيعتها الغامضة، عنصراً اساسياً في تفسير سلوك المجرات والنجوم والكواكب.
في صميم البحث الجديد يبرز اسم استاذ الفيزياء الكبير “راجندرا غوبتا”، أما النهج المبتكر الذي قدمه غوبتا فإنه يتضمن دمج نموذجين نظريين معاً، الأول هو ما يسمى “ثوابت الاقتران المتغيرة (CCC)” والثاني يسمى نموذج “الضوء المتعب (TL)”، ولذلك يعرف الاثنان معاً بنموذج
(CCC+TL).
يتحرى هذا النموذج فكرة مفادها ان قوى الطبيعة تأخذ بالاضمحلال والتلاشي مع مرور الزمن الكوني، وان الضوء يفقد من طاقته عبر المسافات الشاسعة التي يقطعها.
هذه النظرية تم اخضاعها للاختبارات الدقيقة الصارمة وهي تأتي متسقة مع الملاحظات الفلكية المختلفة، بما في ذلك توزيع المجرات ونشوء الضوء منذ البداية الأولى للكون.
ما الذي سيترتب على منظور: “كون خال من المادة المظلمة”؟
هذا الاكتشاف يتحدى فهمنا التقليدي الذي يفيد بأن المادة المظلمة تشكل نحو 27 بالمئة من الكون تقريباً، في حين أن المادة الاعتيادية لا تشكل سوى خمسة بالمئة او أقل، أما ما تبقى بعد ذلك فهو ما يطلق عليه مصطلح الطاقة المظلمة.
في الوقت نفسه يعيد الاكتشاف تعريف منظورنا بخصوص عمر الكون وتمدده.
يقول البروفيسور غوبتا مبيناً: “تؤكد نتائج دراستنا اعمالا سابقة لنا ترتأي أن عمر الكون يبلغ 26,7 مليار سنة، وهذا بالتالي يلغي ضرورة وجود المادة المظلمة.
فخلافاً للنظريات الكونية القياسية المعتمدة، التي يعزى فيها التمدد المتسارع للكون إلى الطاقة المظلمة، تشير نتائجنا إلى أن التمدد مرده تداعي قوى الطبيعة لا المادة المظلمة.”
العلم الكامن وراء اكتشاف غوبتا
ينصب الجزء الحيوي الاساسي من بحث العالم غوبتا على تحليل ما يسمى “الانزياحات الحمراء”، وهي ظاهرة ينحني فيها الضوء منحازاً إلى الجزء الأحمر من الطيف.
من خلال تفحصه البيانات المتعلقة بتوزيع المجرات ضمن منطقة الانزياحات الحمراء الواطئة والحجم الزاويّ للأفق الصوتي في منطقة الانزياحات الحمراء العالية يقدم غوبتا جدلية متماسكة قاهرة تناقض فكرة وجود المادة المظلمة، في حين انها تبقى منسجمة ومتوافقة مع المرصودات الكونية الاساسية.
يخلص البروفيسور غوبتا من ذلك بيقين وثقة إلى نتيجة لا ريب فيها.
يقول: “هناك اوراق بحث عديدة تشكك في وجود المادة المظلمة، ولكن بحثي هو الأول، على حد علمي، الذي ينفي وجودها الكوني ثم يبقى منسجماً بعد ذلك مع المرصودات الكونية الاساسية التي أمضينا وقتاً طويلاً في التثبت منها” على حد تعبيره.
التداعيات والاتجاهات المستقبلية
مجمل القول هو إن البحث المبتكر الذي قدمه “راجندرا غوبتا” قد تحدى بشكل جذري النموذج الكوني المتعارف عليه من خلال افتراضه كوناً لا حاجة فيه للمادة المظلمة.
فمن خلال الدمج بين “ثوابت الاقتران المتغيرة” ونظريات “الضوء المتعب” لم يتمكن العالم غوبتا من تحدي الفهم التقليدي للتكوين الكوني فقط، بل ايضاً من تقديم منظور جديد بشأن تمدد الكون وعمره.
تدعو هذه الدراسة المحورية المجتمع العلمي إلى إعادة النظر في معتقدات قديمة كنا نتمسك بها بشأن المادة المظلمة، كما انها تخطّ مسارات جديدة ومثيرة لفهم القوى والخصائص الاساسية لطبيعة الكون.
من خلال تحليل دؤوب ونهج جريء خطا عمل البروفيسور غوبتا خطوة مهمة إلى الامام على طريق السعي لفك ألغاز الكون الغامضة.
المزيد عن المادة المظلمة
كما بينا اعلاه فإن المادة المظلمة تبقى واحدة من أشد المفاهيم غموضاً وألغازاً في كوننا، وهي تلعب دوراً حاسماً في الكون رغم كونها غير مرئية، ورغم كونها لا تبعث الضوء ولا تمتصه ولا تعكسه.
يستدل العديد من العلماء على وجود المادة المظلمة، و”راجندرا غوبتا” ليس منهم بالتأكيد، من تأثيرات جاذبيتها التي تسلطها على المادة المرئية والاشعاعات والتكوينات البنائية الكونية واسعة النطاق.
الأساس الذي تقوم عليه نظرية “المادة المظلمة”انبثقت نظرية “المادة المظلمة” من الفوارق الملحوظة ما بين الكتل المرصودة للأجسام الفلكية الكبيرة وكتلها المستخرجة حسابياً على اساس تأثيرات جاذبيتها.
في ثلاثينيات القرن العشرين كان عالم الفلك “فرتز زويكي” من بين الأوائل الذين افترضوا وجود مادة غير مرئية يحتمل أن تكون مسؤولة عن فارق الكتلة “المفقود” في عنقود المجرات الذي يطلق عليه اسم “كوما”.
منذ ذلك الحين استمرت الأدلة بالتراكم، ومن بين ذلك منحنيات دوران المجرات التي كانت تشير إلى وجود كتلة اكبر بكثير مما يمكن أن يعزى إلى المادة المرئية وحدها.
دور المادة المظلمة في الكون
من المعتقد أن المادة المظلمة تشكل نحو 27 بالمئة من كتلة الكون وطاقته الاجمالية، وأن المادة المظلمة لا تتفاعل مع القوى الكهرومغناطيسية، على خلاف ما تفعله المادة الاعتيادية، ومعنى هذا أنها لا تمتص الضوء ولا تعكسه او تبعثه، الأمر الذي يجعل تحري وجودها بصورة مباشرة في غاية الصعوبة.
لذا يستدل على وجودها من خلال تأثيرات جاذبيتها على المادة المرئية وانحناء الضوء وتأثيرها على اشعاع موجات خلفية المايكرويف الكونية.
البحث المراوغ
طور العلماء طرقاً عديدة مبتكرة للكشف عن وجود المادة المظلمة على نحو غير مباشر، مثل التجارب التي تجرى باستخدام اجهزة كشف الجسيمات الدقيقة تحت الارض والتلسكوبات الفضائية التي تهدف إلى رصد النتاجات الجانبية لتفاعلات المادة المظلمة الداخلية او فنائها.
إن ما يعرف بالمصادم الهايدروني الكبير في سيرن يبحث هو الآخر عن علامات تدل على جسيمات المادة المظلمة في تصادمات الجسيمات عالية الطاقة.
وعلى الرغم من كل هذه المحاولات تبقى المادة المظلمة عصية على الكشف المباشر، ما يجعلها أحد أهم التحديات التي تواجه الفيزياء الحديثة.
مستقبل أبحاث المادة المظلمة
يبقى المسعى لفهم المادة المظلمة حافزاً على تحقيق المنجزات في عالم الفيزياء الفلكية والفيزياء الجسيمية، ومن المحتمل أن تكشف اعمال الرصد والتجارب المستقبلية طبيعة المادة المظلمة لتلقي الضوء على هذا اللغز الكوني الخفي.
مع تقدم التكنولوجيا ثمة أمل في الكشف عن جسيمات المادة المظلمة بصورة مباشرة، او العثور على ادلة جديدة من شأنها تأكيد نظرياتنا الحالية بشأن تكوين الكون او نقضها.
من حيث الجوهر تؤكد نظرية المادة المظلمة سعينا المتواصل لفهم مكونات الكون الفسيح المترامي غير المرئية، وحل هذه الالغاز ينطوي على امكانية تطوير فهمنا للكون تطويراً ثورياً من اصغر الجسيمات إلى اكبر التكوينات البنائية في الكون.
(ملاحظة: تشكل المادة المظلمة معظم كتلة المجرات وعناقيد المجرات، وهي المسؤولة عن نمط انتظام المجرات وفق المقاييس العظمى.
اما الطاقة المظلمة فهو المصطلح الذي نطلقه على ذلك التأثير الغامض الذي يتسبب في التمدد المتسارع للكون – المترجم).
عن موقع {إيرث دوت كوم}