إشكاليّة التحول إلى الدولة العصريَّة

آراء 2024/04/18
...

 د. عبدالواحد مشعل


ان عملية الانتقال من الدولة الراكدة والهشة إلى الدولة العصرية المنتجة، تتطلب شروطا تأسيسية قوامها المعرفة النظرية والتطبيقية على مستوى العلوم كافة، تتوسطها ادارة مهنية ذكية عصرية فاعلة قادرة على قيادة مسار التحول إلى دولة عراقية فاعلة. 

 أن يكون الطريق الاكثر ملاءمة، لتحقيق الدولة الناجحة هو في بناء استراتيجية وطنية نهضوية على صعيد الفكر والتطبيق والممارسة، تبدأ بتهذيب التعليم من أولى مراحله إلى اعلى درجاته، والتخلص من المفاهيم المعطلة للنهضة، ومن اجل ذلك ينبغي توظيف خبراء عراقيين يؤمنون بعملية التحول تلك، مدعومين بارادة سياسية هدفها وهمها الأول والأخير نهضة المجتمع، وتخليص الانسان العراقي من مشكلاته التي تزداد يوما بعد اخر.

فمرحلة الواحد والعشرين سنة الماضية لم تنتج لنا ارادة حقيقية للخروج من عنق الزجاجة، فلا تزال المفاهيم المقيدة للسلوك الاجتماعي على مستوى الافراد والمجتمع والدولة حبيسة تلك المفاهيم، التي ألحقت بالعراق افرادا ومجتمعا ودولة مزيدا من التعطيل التنوي بفعل محاصصة سياسية،تحكم اغلب اطرافها عقلية العشيرة، التي يسعى كل طرف لتحقيق مآربه الخاصة، بينما بقيت الدولة بعيدة عن فكرة الدولة العصرية الفاعلة، ومن هنا نتحاج إلى مراجعة نقدية للمرحلة الماضية، على وفق خطط مدروسة تعمل على توظيف القدرات الاقتصادية والطبيعة في مشاريع تنمية، تنقل الفرد العراقي إلى مرحلة من الابداع والانجاز على المستويات الصناعية والزراعية والتعليمية والصحية والاسكانية والمعيشية، بادارة متصلة الحلقات من التنظيم الاداري الحديث، وهو ما نحتاجه أولا في عملية التحول من الدولة التقليدية الانقسامية إلى الدولة العصرية المدنية التي يحكمها القانون.

ان ذلك ليس امرا صعبا على الرغم من التراكم الانقسامي الثقيل، فالاجيال الجديدة يمكن توظيفها بمفاهيم وطنية ديمقراطية تبني الدولة، يكون معيارها الكفاءة وليس على اساس الولاءات -التي قد تستفاد منه الجهات السياسية المختلة آنيا ولكنها ستضر مستقبلا عندما تتجاوزها الاجيال القادمة بنظمها الثقافية والفكرية الجديدة. عندما تتقاطع مع المفاهيم السياسية الحالية، وبالوقت نفسه ستتفق مع كاريزمات البناء الاجتماعي العراقي، وهو اشد ما ستواجه الدولة على الصعيد 

المستقبلي.

 آن الاوان كي ينفض الفكر السياسي العراقي عن كاهله غبار السنوات الماضية، ويبني استراتيجية الدولة الناجحة، التي عمادها اقتصاد قوي منتج، وادارة قادرة على التعامل مع كل المتغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية، سواء على الصعيد الاقليمي أو الصعيد الدولي، فبناء دولة قوية مستقلة شعارها السلام والبناء الاقتصادي الذاتي بعيدا على كل اشكال التبعية،هو المخرج الحقيقي من الازمات والمشكلات، التي يعانيها الانسان العراقي،عن طريق الاعتماد على القدرات الوطنية الخلاقة، لسبب بسيط ان البلد لا يبنيه ولا يحافظ على قيمته وتماسكه ووحدته الا اهله، وان الطريق يكون سالكا اذا ما نهض اهله نهضة معرفية وصناعية وزراعية، تعزز الانتماء لتاريخ هذا الوطن العريق، وتحقق النهضة التنموية الناجحة.