عبد الأمير المجر
يرى الكثير من المراقبين، أن زيارة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني إلى واشنطن في هذه المرحلة، حيث يشهد الشرق الأوسط والعالم حالة اضطراب غير مسبوقة، تكتسبُ أهميَّة كبيرة ويجب أن ينظرَ إليها من زوايا عدة.. غير خفي على أحد أن الحرب في غزة وضعت حكومة السوداني في موقف حرج
ولأكثر من سبب، إذ إنَّ العراق الذي تربطه علاقة ستراتيجيَّة مع أميركا بحكم الاتفاقيَّة الموقعة في العام 2008 لا يريد أنْ يغامرَ بهذه العلاقة التي تضمن الحفاظ على أموال العراق وأمنه الستراتيجي من خلال الذهاب إلى تأييدٍ مفتوحٍ لحركة حماس التي تحركت عسكرياً ضد إسرائيل من دون استشارة السلطة الفلسطينيَّة أو تشاورت مع الأطراف العربيَّة المعنيَّة، قبل عمليَّة (طوفان الأقصى)، وأيضاً لم تتحسب جيداً لتداعياتها التي كانت كارثيَّة وأحرجت الجميع، مثلما أنَّ قرار دخول الحرب يبقى خياراً ستراتيجياً تقرره الدول بعد أنْ تقرأ الأمور جيداً داخلياً وخارجياً.. لكنْ بالرغم من كل هذا فإنَّ فصائل عراقيَّة مسلحة قريبة في ثقافتها من إيران، أعلنت وبقوة تأييدها لعمليَّة (طوفان الأقصى) ودخولها المعركة إلى جانب حماس، وهذه الفصائل تتمتعُ بغطاءٍ سياسيٍ في البرلمان وفي مجمل العمليَّة السياسيَّة، ما يعني أنَّ القرار السياسي العراقي وإنْ بقيَ على المستوى الرسمي في منطقة وسطى، أي أنَّه بقدر ما أدان عمليات الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة، لكنه لم يذهب إلى تأييدٍ مباشرٍ لحماس وقرارها الذي تسبب في انقسامات كبيرة في العالمين العربي والإسلامي وكذلك في العالم، لا سيما بعد أنْ بلغت الخسائر بالأرواح في غزة أرقاماً مرعبة.. إذنْ فالحكومة العراقيَّة لم تكن في وضعٍ مريحٍ بسبب تباين الرؤى داخل المشغل السياسي العراقي وتأثير ذلك على موقفها الرسمي الذي تواجه به العالم وتحديداً الشريك الأميركي الذي تراه الفصائل المسلحة والقوى القريبة من إيران، إنه شريك لاسرائيل في الحرب على غزة وإنَّ موقفاً سياسياً على مستوى الدولة يجب أنْ يتخذ بحق أميركا، بل ذهب البعض إلى المطالبة بإخراج ليس القوات الأميركيَّة فقط بل وإغلاق السفارة الأميركيَّة في بغداد أيضا! هذا الواقع الذي تعاملت معه الحكومة العراقيَّة بصبر، أخذ يتغير تدريجياً على المستويين السياسي والاجتماعي، إذ لم يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وبشكلٍ واضحٍ وحاسمٍ؛ أي من حلفائها الكبار الذين يقتربون منها عقائدياً أو سياسياً ووقفوا وراءها من قبل، بل راحوا خلال الحرب يكثرون فقط من التصريحات العاطفيَّة بينما كانت إسرائيل تحسم المعركة على الأرض أو تكاد، وبقيت مصالح تلك الدول تتقدم على الشعارات المعلنة.
اليوم وقد شارفت الحرب في غزة على نهايتها وستدخل جميع الأطراف المعنيَّة في المعركة السياسيَّة القادمة بشأن القضيَّة الفلسطينيَّة برمتها، بعد أنْ وصل الفرقاء إلى نتيجة حاسمة، وهي أنَّ ما يحلم به اليمين الاسرائيلي لن يتحقق بسبب تغير الواقع الإقليمي والوضع الدولي، وبالمقابل لن يتحقق ما يطمح إليه العرب والفلسطينيون بشكلٍ كاملٍ أيضاً، لذا بات على الجميع الالتقاء في منطقة وسطى تفتح الباب واسعاً أمام سلامٍ دائمٍ في المنطقة.. وباعتقادنا أنَّ هذا الواقع الذي أخذ يفرض نفسه لا سيما بعد الرد الإيراني على إسرائيل والموقف الدولي منه، جعل الجميع يفكر بواقعيَّة، بمن في ذلك القوى السياسيَّة والفصائل المسلحة التي تتحدث عن حربٍ مفتوحة مع إسرائيل واميركا، وهذا سيخفف من العبء الكبير على حكومة السوداني ويعطيها هامش مناورة سياسيَّة أوسع، داخلياً وخارجياً، مثلما جعل أغلب صانعي القرار العراقي الآخرين يفكرون بواقعيَّة سياسيَّة، فالتفكير باستمرار العداء لأميركا ورفع شعارات الحرب ضدها لم تعد مجدية، كون أميركا دولة مؤسسات ولها مصالح في جميع بلدان العالم وأنَّ التعامل معها وفقاً للمصالح وليس المطالح، هو الذي يسعى إليه العراقيون الذين يريدون إعادة بناء بلدهم بعد التجربة الطويلة والقاسية التي مررنا بها.. والاميركان اليوم باتت لهم مصالح حقيقيَّة في استقرار العراق وأمنه لضمان استمرارها.
من هذه الأرضيَّة التي باتت منبسطة أمام الجميع نرى أنَّ زيارة السوداني لأميركا في هذا التوقيت تكتسب أهميَّة كبيرة، وستؤسس لعلاقة ثنائيَّة متينة بين الطرفين.. وأعتقد أنَّنا بدأنا الخطوات العمليَّة على هذا الطريق.