سلام مكي
ما أصدرته المحكمة الاتحادية العليا مؤخرا، من أحكام قضائية مهمة خصوصا تلك التي تمس عمل مجلس القضاء الأعلى في الجانب الجزائي، يكشف عن مدى أهمية وخطورة اختصاص المحكمة، ودورها المؤثر والخطير في إرساء قيم التقاضي الصحيحة، حفاظا على حقوق الأفراد، سواء متهمين أو مدعين بالحق الشخصي، أو مؤسسات الدولة.
المعروف أن الدستور، حدد اختصاصات المحكمة، في المادة 93 من الدستور، وأغلب تلك الاختصاصات، تتعلق بتفسير الدستور، والفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، وتلقي طلبات الطعن بعدم دستورية القوانين، مما يعني أن تلك الاختصاصات لا تمس المواطن بشكل مباشر، حيث أن أغلب أطراف الدعاوى التي ترفع أمام المحكمة، أما نوّاب أو مؤسسات دولة أو سياسيون، نادرا ما نجد مواطنا يتقاضا أمام المحكمة، بسبب طبيعة عملها واختصاصها.
اليوم، وبعد العهد الجديد، لها وتعديل النظام الداخلي وأخذ مسارات قضائية جديدة، حملت المحكمة لواء التصدي للخروقات الدستورية والتعديات، التي تمارس من قبل بعض الجهات والمؤسسات والأفراد، فتحولت المحكمة إلى مصد وسد يحمي حقوق المواطن من الانتهاكات التي يتعرض لها أثناء التحقيق خصوصا. فكان قرار المحكمة المرقم 169/ اتحادية/2021 في 2/3/2022 الذي تم بموجبه، تأصيل مبدأ الفصل بين السلطات والتأكيد على أن التحقيق في قضايا الفساد المالي والإداري، ينعقد لهيأة النزاهة حصرا، ولا سند قانونيا لقيام السلطة التنفيذية المتمثلة بمجلس الوزراء، تشكيل لجنة للتحقيق في قضايا الفساد، بناء على أمر ديواني، حيث إن هيأة النزاهة، هي المختصة حسب قانونها المرقم 30 لسنة 2011 المعدل، بالتحقيق في قضايا الفساد، ولا يحق لأية جهة أخرى أن تسلب الهيأة هذه الصلاحية. وهذا القرار، ساهم إلى حد كبير في حماية حقوق الموظف الذي يتم اتهامه بأفعال تتعلق بوظيفته، من أن يعرض على هيأة النزاهة دون غيرها من الجهات، نظرا لشفافية عمل الهيأة واعتمادها المعايير القانونية والإنسانية في التعامل مع المتهمين.
قرار آخر للمحكمة بالعدد 262/اتحادية/2022 رسم خارطة طريق قانونية للمحاكم الجزائية في التعامل مع القضايا التحقيقية، فقد حدد القرار، الجهات التي يحق لها تلقي الشكاوى والاخبارات، ولا يحق لأية جهة أخرى أن تتلقى أي إخبار أو شكوى أو تحقق في قضية من القضايا، إلا تلك التي نص عليها القرار، وهي جهات نص عليها القانون، وحدد واجباتها وسلطاتها في التحقيق مع المتهمين. ومناسبة القرار، هو قيام مواطن بالطعن بعدم دستورية التوجيهات التي أصدرها السيد رئيس مجلس الوزراء، والتي تخص تكليف مستشاره لحقوق الانسان، بتلقي الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات داخل السجون ومراكز الاحتجاز والتوقيف. فقد رأى أحد المواطنين أن هذا التوجيه يخالف الدستور، ويمس حقوقه، فبادر إلى الطعن بعدم دستوريته، وفعلا استجابت المحكمة لطلبه، ذلك أن القانون العراقي، قد حدد الجهات التي لها صلاحية تلقي الشكاوى وهي المنصوص عليها في قانون أصول محاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المادة51 وهي مجلس القضاء الأعلى، فيما يخص الجرائم العادية، أما الجرائم المشهودة، فتختص بها مركز الشرطة وتشكيلات وزارة الداخلية، أما قضايا الفساد، فالتحقيق فيها يجري من قبل هيأة النزاهة، وكذلك الادعاء العام ومفوضية حقوق الانسان. وهذه الجهات، تضمن للمواطن الأمن والطمأنينة في أن تتم معاملته معاملة إنسانية عند التحقيق معه، ذلك أن هنالك جهات أخرى عديدة، تم رصد انتهاكات مارسها بعض من أفرادها لغرض انتزاع اعترافات بالاكراه.
المسألة الأكثر أهمية مما سبق، تتمثل بإدراك الجهات المعنية بأن قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة للسلطات وباتة، ولا يمكن الاجتهاد في مخالفتها، ولا في إيجاد سبل غير التي ذكرتها المحكمة في قراراتها والتي تشكل لو طبقت بشكل سليم، إطارا قضائيا عادلا يمكن من خلاله الوصول إلى نهاية مؤكدة لأي انتهاك أو خرق قانوني، يكون المواطن الضحية الأولى والأخيرة له.