سناء الوادي
ما سرّبه موقع «اكسيوس» الاستخباراتي يوم الخميس الماضي من استمرار المباحثات بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية، على قدمٍ وساق واحتمالية الاقتراب من الاتفاق على النقاط الأساسية للتطبيع السعودي ـ الإسرائيلي، وهذا قد يفرد للمنطق مساحات كبيرة إذا ما وضعنا الأحداث في تسلسل يبدأ من واحد نيسان، عندما قصفت إسرائيل السفارة الإيرانية في دمشق
فذلك يدفعنا للسؤال عن تجرؤ الكيان المحتل بالخروج من حرب الظل والتخفي وراء عمليات الاستهداف النوعي والاغتيالات إلى التحرش الفاضح بطهران، حيث رمت كل التحذيرات الأمريكية بعدم دفع المنطقة لحرب إقليمية واسعة النطاق وراء ظهرها، ومن ثَمَّ رأينا ملء العين وعلى شاشات البث المباشر، كيف هبت سريعاً واشنطن والأصدقاء للتصدي لمسيرات وصواريخ إيران، التي تناثرت كالشهب في سماء فلسطين المحتلة ليلة الرابع عشر من نيسان.
وإنَّه لمن الأفضل أن ننظر لتلك الليلة بعين العقل لا العاطفة، فقد كانت مليئة بالرسائل السياسية ذات الدلالات بالغة الأهمية، أولها أن إسرائيل كانت تعيش بمأمن من أي اعتداء خارجي يصيبها من دولة ذات سيادة خلا تلك التابعة لحركات المقاومة في الدول المجاورة، ثانيهما أن إيران لم تخش الظهور العلني والوقوف بوجه كبرى الدول الداعمة لإسرائيل ففي ذلك إشارات خفية لمدى اقترابها من امتلاك القنبلة النووية، خاصة أنها أثبتت للجميع امتلاكها للصواريخ الباليستية ذات المدى البعيد والتي تصل لقواعد إسرائيل العسكرية ناهيك عن أن إطلاق قرابة المئة صاروخ دفعة واحدة يشير إلى كونها تمتلك عدداً كبيراً من منصات الإطلاق، والذي من شأنه أن يربك منظومات الدفاع الجوي المتطورة. وفي هذا السياق خرج إلينا عديد المحللين السياسيين الذين قرؤوا في الرد الإيراني تغيير في معادلة الردع في الشرق الأوسط، أي أنَّ هيبة إسرائيل في مأزق حقيقي بيدَ أن الأخيرة وقعت في المأزق فعلياً منذ بدء الطوفان في السابع من أكتوبر، فالإرباك والتخبط يعتريان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منذ ذلك الحين، وزاد في الطين بلّة إجماع كل أعضاء الكابينت المصغّر على ضرورة الرد على الرد الإيراني وفي عمق طهران، فما كان من نتنياهو إلا اعتماد مقولة انتظار الوقت والمكان المناسبين والتأجيل لأسباب عملياتية فنية حسب صحيفة « جيروزاليم بوست « الإسرائيلية، وهذا ينبئ من جهة بانخفاض مخزون السلاح الإسرائيلي ومن جهة أخرى مدى احتياج الربيبة لأمها الرؤوم أمريكا للمساعدة في إمدادها بصواريخ ومقذوفات بمدى بعيد، لتصل لعمق إيران وهو ما ترفضه واشنطن جملة وتفصيلاً، فهي لا تريد حرباً مع إيران قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فضلاً عن القلق من انسحاب الأخيرة من اتفاق حظر أسلحة الدمار الشامل، إذا ما اندلع الصراع المسلّح وما في ذلك من إقفال لمضيق هرمز في الخليج العربي، أمام شحنات النفط المتجهة للغرب وأمريكا، وتبعات ذلك من ارتفاع أسعار الطاقة والسلع عموماً وزيادة نسب التضخم، وهذا السيناريو المذكور حتماً لا يصب في مصلحة الرئيس «جو بايدن» في سباقه الانتخابي المحموم ضد دونالد ترامب.
وفي سجال الرَّد على الرَّد تدور الرؤى حول كيفية حفظ ماء الوجه للكيان الغاصب وعدم الاستكانة لأن تكون اليد العليا للجانب الإيراني، فمن يحتفظ باللكمة الأخيرة في حلبة الصراع يظل ماسكاً لزمام الردع وعليه فإن واشنطن قد تدعم نتنياهو ليصب جام غضبه في قادم الأيام على قطاع غزة مجتاحاً رفح بدموية علَّ ذلك يضع في يده كأس الانتصار على حركة حماس وهو ما سيصرف أنظار الداخل الإسرائيلي الغاضب عمَّا جرى.
ومن هنا انطلق « ريتشارد ناثان هاس « الدبلوماسي الأمريكي، ناصحاً اسرائيل بأن الحل الأمثل أمامها العودة لحرب الظلّ، لأن الرد الإيراني في المرة القادمة ستكون فاتورته بالغة الخطورة ومؤلمة على الشرق الأوسط ككل، لأنه ونقلاً لما قاله «حسين سلامي « القائد العام للحرس الثوري الإيراني ـ لقد قررنا إنشاء معادلة جديدة، بأننا سنرد على أي اعتداء على مصالحنا أو مواطنينا أو أصولنا من داخل الأراضي الإيرانية.
إسرائيل حقاً في مأزق إذا ردَّت وإذا لم ترد، إسرائيل إلى الهاوية بقيادة اليمين المتطرف المتخبط الرافض للوجود الفلسطيني جملة وتفصيلاً.
كاتبة وإعلامية سورية