طالب سعدون
العراق بعمقه الحضاري وثرواته وميزانيته السنوية الكبيرة، ليس اقل شأنا من اليابان مثلا التي تسمي عامل النظافة (مهندس نظافة) تقديرا وعرفانا بدوره، ويتمتع بامتيازات خاصة من حيث الوضع الاعتباري و الراتب، تفوق وظائف أخرى، واختيار العناصر القادرة على اداء هذه العملية الحضارية.
ويمكن أن تكون هذه الوظيقة عندنا في العراق بهذا المستوى من الاهمية، وذلك من خلال الامتيازات، واختيار عنوان يناسب دورعامل النظافة كما هي اليابان وتعظيم قيمة هذا الدور.
لكن أين نحن من ذلك، ولا يزال بيننا من يسمي هذا المهندس (زبالا).؟! شؤون النظافة، لا تقل أهمية عن أي منصب سيادي إن لم تتقدم عليه.. واقصد الدوائر البلدية، بدءا من عامل النظافة والى أعلى مسؤول فيها، وهو الوزير لأنها تعكس هيبة الدولة والقانون وقوته في الشارع ومستوى التمدن والحضارة واحترام حق الانسان في بيئة نظيفة.
فمن أين للدولة بمقاتلين اشداء وعلماء وخبراء وسياسيين ودبلوماسيين وموظفين بمختلف الاختصاصات، اذا ما داهمت البلاد الاوبئة والامراض بسبب اهمال جانب النظافة؟.
لذلك اهتم الاسلام بها وعدَّها من الإيمان، ووضعتها الدول المتقدمة في مقدمة اهتماماتها ورصدت لها الاموال اللازمة، ومن هنا فإن النظافة تستحق أن تكون في صدارة اهتمامات الاحزاب والكتل والشخصيات، التي تستنفر قواها، وتدخل في تنافس، وخلاف على توزيع المناصب السيادية، والحقائب الوزارية والمناصب الاخرى والوظائف في كل دورة برلمانية ومحلية.
النظافة لا تعكس مستوى تطور الخدمات، والاهتمام بصحة المواطن وراحته فقط، وإنما تعكس مستوى ثقافته، وتطور بلاده ايضا.
وفي بعض الدول تكون النظافة مسألة رأي عام، وحراك سياسي وإعلامي واجتماعي عندما تنحدر إلى درك خطير يؤثر في الصحة والبيئة والحالة النفسية للمواطن، والتطور العام وسمعة الوطن بشكل خاص، وغالبا ما يتوج هذا الحراك بتنظيم حملات وطنية كبرى للنظافة، تشترك فيها مؤسسات الدولة والمواطنون.
وقد تدخل النظافة ورفع القمامة حتى في البرامج الوزارية والرئاسية في بعض الدول، عندما تكون مشكلة ضاغطة على الانسان، ولها انعكاسات خطيرة على حياته وبلاده، وتعجز الحكومات السابقة عن حلها، وتعرض البرامج على الشعب إلى حد التفاصيل الدقيقة، كنسب وكميات القمامة والاوساخ والانقاض المطلوب رفعها، والمدة المقررة للتخلص من هذه المشكلة، وتنظيم الشوارع، والأزقة، وتعبيد الطرق، ووضع حاويات للنفايات فيها، وتأثيثها بعلامات مرورية وارشادية تحث المواطن على رمي الاوساخ في الاماكن المقررة، وازالة التجاوزات على الاماكن العامة التي زحفت اليها القمامة.
النظافة تشغل بال الكثير من المسؤولين في العالم، وهم في بحث دائم لابتكار الوسائل الجمالية والعملية، لإظهار بلدانهم بالمظهر الجميل الحضاري، والتخلص من القمامة والاستفادة منها في تدويرها.. عامل النظافة هو الاساس في العملية الجمالية للمدينة ولذلك اقاموا له نصبا وتماثيل وساحات تكريما لدوره الكبير.
النظافة يمكن أن تعيد للمدينة جمالها والهيبة لشوارعها والالتزام بالنظام والتخلص من الفوضى، خلال مدة قصيرة، وتنقذ المدن من الظواهر الغريبة ايضا، ومنها التجاوز على الشارع وتلال النفايات التي اصبحت في بعض المناطق تشكل معالم جغرافية لها.
وبسبب ضعف الرقابة تحولت ابواب البيوت إلى ورش غسيل للسيارات والازقة الضيقة إلى أماكن، لنصب المولدات الاهلية أو أمام البيوت، من دون مراعاة لراحة المواطنين في بيوتهم والتلوث بالدخان والزيوت والاوساخ والضوضاء واحتمالات الحرائق بدل نصبها في الشوارع العريضة والساحات الكبيرة، وليس ذلك بالامر العسير على البلديات والمجالس المحلية والجهات المعنية الأخرى بإبعاد المولدات الأهلية عن الأزقة والمناطق الضيقة، أو نصبها امام البيوت واختيار اماكن مناسبة لها ومراقبتها باستمرار، للتأكد من التزامها بضوابط السلامة والصحة والبيئة.
النظافة ليست بالامر الصعب ولا بذلك التعقيد والعمل المعجز.. لا تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة أو خبرات اجنبية أوعمالة مستوردة، بل تحتاج إلى عامل نظافة، ومشرف ميداني، ومتابعة من أعلى المستويات للعملية، وتماس مباشر بالشوارع والازقة، والاحياء، وتطبيق النظام، والقانون، ومساحات خضراء، وهي أمور بسيطة في مقدور أي مسؤول بلدي أن يوفرها في منطقته.