المطالبة بالجلوس في العمل .. حق صعب التنفيذ

اسرة ومجتمع 2019/06/01
...

فهميدا زاكي
ترجمة: بهاء سلمان
عندما بدأت مايا ديفي العمل كبائعة في متجر أقمشة شهير داخل ولاية كيرالا الهندية سنة 2012، كانت مثل غالبية زميلاتها من النساء العاملات اللاتي يعانين من دخل مادي متدن مع عدم تلقيهن لتعليم أساسي وغياب لمهارات عمل مميزة. الآن، هي من دعاة التحريض لضمان حقوق العاملين، متصدية لحق الجلوس
خلفية فقيرة
ولكونها ابنة لعامل باجور يومية وربة منزل، كانت طفولة ديفي وشقيقها بسيطة ومتواضعة: “كيّفنا حياتنا وفقا للظروف، ولم نحلم حتى بامكانية الدفاع عن حقوقنا.” بدأ التحوّل بشكل خفيف بالنسبة لديفي، 43 سنة وأم لطفلين، التي حظيت بالنفوذ من خلال تحدثها في اجتماعات عقدت داخل مقر شركة كاليان ساريس. سنة 2014، ساعدت بالتفاوض لأجل رفع أجور زملائها البائعين الى ما يقارب المئة دولار شهريا، لكن المشكلة ذهبت الى أبعد من الراتب الهزيل.
لا يمكن للعاملين في محال الأقمشة والمجوهرات ضمن ولاية كيرالا الجلوس حتى لو لم يكن هناك زبائن لخدمتهم، ولا توجد كذلك في بعض المحال مراحيض داخل مبانيها للعاملين، وهي مشكلة تواجه النساء بشكل خاص. وداخل محل ديفي في مدينة ثريسور، ينبغي على النساء أخذ إذن من مشرفي الطوابق، وغالبيتهم من الرجال، لاستعمال المراحيض في طابق آخر من المبنى: “إذا اضطررنا للذهاب تكرارا الى المراحيض لسبب ما، فعلينا تحمّل تعليقات الرجال الساخرة وغمزاتهم الخبيثة.” وتواصل كاميرات المراقبة والمشرفين اليقظين متابعة الوقت الذي تقضيه النساء في المراحيض، وهن يقللن من شرب الماء تجنبا لاستخدام المراحيض، لتصيبهن بشكل مألوف مشاكل صحية تتراوح بين التهابات المسالك البولية الى توسع الأوردة، بحسب ديفي.
ولا توفر الأنظمة المحلية أي حق للجلوس، بحسب الخبراء القانونيين. أنيما ميواراث، المحامية التي ساعدت الحركة بتغيير القانون، تشير الى أنه بينما القانون الهندي لا يتضمن حق الجلوس، فهو لا ينطبق على عمال المحال التجارية. علمت ديفي في آيار 2014 بـ”إضراب الجلوس”، الذي نظّمه إتحاد عمال القطّاع غير المنظّم في كوزهيكود، بلدة تقع شمالي الولاية، لتذهب بمعية خمس من رفيقاتها للإنضمام الى التظاهرة النسائية ، وأطلقن نفس الشعارات بمجرد عودتهّن، الأمر الذي لفت انتباه
 الإدارة.
 
 
اجور زهيده
وبرغم وجود حركة نقابية قوية في كيرالا، فهي ذكورية الهيمنة. وغالبا ما توظف محال الأقمشة والمجوهرات النساء للمبيعات بسبب قلة طاقتهن للتفاوض ويعملن مقابل أجور زهيدة، ولا يشاركن عموما في النشاطات النقابية، بحسب ميواراث؛ بيد أن النساء الستة فعلنّ ما لم يكن في الحسبان. أصدرت الإدارة بسرعة أوامر نقل لجميع النسوة الستة، مرسلة إياهن الى بلدات بعيدة عن ديارهن، ليضطررن الى المكوث في سكن داخلي، ليتحمّلن عبئا آخر. بالتالي، وبدعم من إتحاد عمال القطّاع غير المنظم، قررن إطلاق إضرابهن الخاص بالجلوس في كانون الأول 2014. ولم تتضمن طلباتهن فقط إلغاء أوامر النقل، بل أيضاً عمل محدد بجدول لثماني ساعات لا يتجاوز السابعة مساء بالنسبة للنساء، وحق الجلوس مع عدم وجود زبائن، إضافة الى استراحات زمنية ملائمة. لم يشارك العديد من زملاء العمل في الإضراب، لكنهم قدموا التأييد لتلك المطالب.
تدريجيا، كسبن الكثير من المطالب، وحذا الكثير من محال البيع بالتجزئة عبر الولاية حذوهن لمساندة إضرابهن. لكن الإدارة رفضت إلغاء أوامر النقل لقياديات الإضراب الستة، قائلة بروتينية الأوامر. وبمجرد الإيفاء بطلبات أوسع، نأى العاملون المؤيدون لديفي وجماعتها بأنفسهم عن حالة التحريض، ما عدا امرأة واحدة بقيت تدافع عن النقل غير المنصف. وبعد 106 أيام على الإضراب، قبلت النسوة النقل الى متجر فتح حديثاً داخل مدينتهن. وتؤكد إحدى المشاركات بالإضراب مواجهتها للمضايقات بعد ذلك ونقلها الى طابق آخر، مع دوام التهديد الى نقلها أخيراً الى نفس المتجر الجديد.
 
تعديلات منصفة
سنة 2015، عدّلت حكومة ولاية كيرالا القانون المحلي للمطالبة بتوفير مراحيض بمقاعد جلوس مناسبة. وبالعودة الى متجر ثريسور، لم توفر الإدارة أية وسيلة لشرب الماء أو لتنظيف المباني، حتى مع تواصل شكاوى النساء. سنة 2017، صرفت الإدارة النساء وأغلقت المتجر، معللة ذلك بالضائقة المالية. وتجادل ديفي بفرض شرط ضمن عقود العمل يضمن بقاء النساء في كادر العمل ضمن متاجر الشركة الأخرى، لتطلق إضرابا آخر، رغم عدم تحقيق أية مكاسب بعد 136 يوماً.
وتمكن صاحب العمل، شركة كاليان ساريس، إثبات قانونية إغلاق المتجر، مع موافقة محكمة الولاية العليا لأسباب الشركة المنطقية بالإغلاق نظرا لحالة الركود الإقتصادي. حاليا، رفعت ديفي القضية أمام محكمة العمل، مدعية بطرد غير منصف للعاملين، مؤكدة بمواصلة كفاحها لأجل تحقيق مطالبها المشروعة حتى النهاية، حتى إذا انسحب الجميع؛ وهي تتزعم حاليا إتحاد عمال القطّاع غير المنظم في الولاية، الذي يدافع لتحسين ظروف عمل العمالة غير المنظمة. ويطالب الإتحاد بمراحيض وخدمات لعمال غسيل الملابس ومنح 
إجازات للعمال.
بحلول كانون الاول 2018، وبضغط من حركة ديفي وجماعات اخرى، مررت حكومة الولاية تعديلا آخر على قانون المؤسسات التجارية، فارضة فيه على المتاجر وسائل جلوس لعامليها؛ وتجري السلطات جولات تفتيشية مفاجئة لضمان تنفيذ القانون، لكن بقيت النسوة مترددات في الجلوس. تقول ديفي: “تم تخصيص مقاعد داخل المحال التجارية الآن لكوادر العمل، لكن في العديد منها، لا تجرؤ النساء على فعل ذلك، فهن ما زلن خائفات، والعديد منهن غير مدركات لقدرتهن على الكفاح لأجل حقوقهن.”
وبالنسبة لديفي، لا يوجد هناك وقت للراحة والجلوس.
 
مجلة أوزي الأميركية