باقر صاحب
يتكشف للمتابع الدقيق لما يجري في غزة، من اتباع الاحتلال الصهيوني أقسى أنواع الحرب الوحشية هناك، المتمثلة في الإبادة الجماعية عبر القصف الصاروخي المستمر والعدوان البري طيلة أيام الحرب، التي دخلت شهرها السابع، وخلفت، لغاية الآن، نحو مئة وعشرة آلاف بين قتيل وجريح، من دون بوادر حقيقية لوقفها، فضلا عن سياسة التجويع الممنهجة، وليست الانتقامية فقط، لأسباب سنذكرها لاحقاً، فعدا أن ما يقارب نحو مليون فلسطيني غادروا مساكنهم في شمال غزة نحو مدينة رفح
بقي نحو نصف مليون فلسطيني، صمّموا على البقاء في الشمال بالرغم من القصف والتجويع المُتعمَّد، مع إصرارٍ صهيوني على أن يتركوا منازلهم، كي تصبح غزّة مهجورة تماماً، وغير قابلة للحياة أبداً. ماذا وراء ذلك؟
وافق مجلس النواب الأميركي مؤخراً على حزمة مساعداتٍ بقيمة 95 مليار دولار، إلى كلٍّ من الكيان الصهيوني وأوكرانيا وتايوان.
ما يعكس إصرار الإدارة الأميركية على الوقوف بجانب الكيان المعتدي، مهما يُشاع عن خلافاتٍ بينهما، تتَّسع يوماً بعد يوم، بشأن كيفية إدارة حرب غزّة، ما يعني أنّ التحالف الاستراتيجي بينهما باقٍ، وما يحصل بينهما لا يُعدُّ سوى خلافاتٍ تكتيكية، لذرّ الرماد على عيون المحتجّين على سياسة أميركا الداعمة للكيان، ومن تلك التكتيكات إنشاء أميركا ميناءً بحرياً مؤقتاً على ساحل غزة، لإيصال المساعدات إلى المدنيين، وهذا التكتيك (الإنساني) لا يخلو من أغراضٍ خفيّةٍ، يجب أن يعيها الفلسطينيون.
فإنشاء الميناء بغرضه الانساني المزعوم، والذي رحّبت حكومة نتنياهو به، لا يعني موافقتها المطلقة على دخول المساعدات عبره إلى البرّ الغزّاوي، فهي تريد هلاك الغزّاويين المتبقّين في الشمال عبر التجويع أو نزوحهم القسري.
إخلاء غزّة من كلّ أهلها الصامدين بالرغم من القصف الصاروخي والتجويع، يعني تطبيق سيناريو ما بعد الحرب بضمّ الكيان قطّاع غزة إليه أمنياً وإداريّاً، بعد أن يتمَّ تهجير أهل غزّة إلى الشتات. ما قصّة غاز غزّة في هذاالشأن؟.
الكيان الصهيوني يطمح إلى أن يكون من الدول المصدّرة للطاقة في العالم، وقد أميط اللثام عن الغاز الغزّاوي منذ نهايات القرن الماضي، فقد قدّرت الشركة البريطانية (بريتيش غاز) أنّ الاحتياطي البحري من الغاز في غزّة وحدها يقدّر على نحو 1.1 تريليون قدم مكعب.
وقد سلّطت “الجزيرة نت”، في تقريرها المنشور بتاريخ
6 1- - 2024 ، كتابة محمود يوسف، الضوء على حجم المؤامرة الصهيونية على غزّة، حيث أشار التقرير بأنّ الاحتلال الصهيوني يمنع قطاع غزة، وكلّ فلسطين، من الإفادة من الثروات الطبيعية، التي تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات، وما هذه الحرب الوحشية غير المسبوقة ضد القطاع إلاّ لأجل هدفٍ رئيس، وهو تهجير الغزّاويين، وعلى ضوء ذلك يصبح شنُّ الحرب لأجل الدفاع عن النفس أكذوبةً كبرى، بل دوافعها استراتيجيةً وتاريخيةٌ وسياسية، فضلاً عن الدافع الاقتصادي الذي نتناوله الآن.
التخطيط لهذه الحرب ليس بالأمر المفاجئ، إذا ما عرفنا بأن الصحفية البريطانية فيليسيتي أربوثنوت، بحسب تقرير الجزيرة، أشارت إلى أنّ الاحتلال الصهيوني يدّعي أن احتياطيات الغاز قبالة ساحل غزة هي كنزٌ خاصٌّ به، وهناك من يشير إلى أنّ هذه المؤامرة الوجودية والاقتصادية، لم يُخطّطْ لها حديثاً، إذ أورد التقرير المذكور أيضاً، تصريحاً للاقتصادي الكندي ميشيل تشودوكوفسكي يرى فيه أنّ إعلان حكومة نتنياهو للحرب في تشرين الأول الماضي على أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة هو “استمرار لغزو غزة الذي بدأ في 2008 في إطار”عملية الرصاص المصبوب”.
بقي أن نشير إلى البعد الأميركي في المؤامرة، فإذا ما نظرنا إلى تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا والعقوبات الأميركية الأوروبية على روسيا، خاصة فيما يتعلّق بحظر استيراد الغاز الروسي، تتّضح لنا الفوائد الخفية لدول الغرب، التي تساند، بكلّ قوّة، الاحتلال الصهيوني، من حرب إبادةٍ جماعيةٍ وتجويعٍ لا مثيل لهما، وكما تذكر الكاتبة د. سنية الحسيني، في مقالةٍ لها على موقع ميدل إيست أونلاين، في آذار الماضي “وعدت بأن تكون جزءاً من حلّ مشكلة الطاقة في أوروبا، التي نشأت بعد الحرب الأوكرانية، والقرار بمقاطعة الغاز الروسي” .
كما يتّضح لنا الهدف الخفي من إنشاء ميناءٍ على سواحل غزة، لأجل تأمين المساعدات، كما هو مُعلن، فبوساطته يؤمّن الاحتلال تصدير الغاز، إذ تذكر الحسيني أيضاً أنّ الكيان الصهيوني يطمح إلى يصبح مركزاً لتصدير الغاز على مستوى العالم، ومن أجل ذلك يسعى إلى أن يكون ممراً “يربط بين الشرق والغرب، والذي يأتي ضمن مشروع الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا”.
وتفيد أميركا من هذا الممر بضرب طريق الحرير الصيني الاستراتيجي الكبير، ومن ثمّ ستجني الفوائد الهائلة في مجالات الطاقة وطرق المواصلات التجارية العالمية. وهنا نؤكّد أنّ على الفلسطينيين، أن يتحركوا إزاء ما يُخطّط لهم في الخفاء، وكما قال المتنبي” مصائب قومٍ عند قوم فوائد” .