علي حسين عبيد
كثيرا ما توصف الثقافة بأنها نقيض للسياسة أو العكس، ولكن هذا التصور لا يمكن أن ينطبق على تجارب تاريخية حصلت في دول متقدمة ومتوسطة التقدم، حيث تآزر السياسيون مع المثقفين وأسسوا وطوّروا بنية إدارية سياسية ثقافية أنعشت الدولة وأفادت البنية الاجتماعية لتلك الدول التي تآزرت فيها السياسة مع الثقافة.
من المثقفين المهمين الذين تبؤوا مناصب سياسية في حكومات متقدمة هو الأديب الفرنسي المعروف أندريه مالرو وهو فيلسوف وروائي ومفكر وناقد أدبي وناشط سياسى فرنسي.
تؤرخ حياته بمعنى من المعاني لكل أحداث القرن العشرين.
وهو صاحب رؤية موسوعية حيث يمتلك معارف دقيقة في الآثار وتاريخ الفنون والأنثروبوجيا.
عُيِّن وزيرًا للثقافة الفرنسية على الرغم من أن أعماله تجنح نحو السريالية والسخرية والغرائبية، فشتان بين واقعية السياسة وبين سريالية الأدب والأفكار المتمردة.
ولكن مع ذلك كانت تجربة الأديب المفكر المثقف أندريه مارلو ناجحة في فرنسيا، حيث أسهمت تجربة هذا الأديب والمفكر الذي حصل على جائزة غونكور وهي أرفع جائزة فرنسية مخصصة للآداب، وهذا دليل على أن السياسة والثقافة يمكن أن يرفعا عنهما حالة التناقض، وأن يصب الأدب والثقافة في صالح السياسة وبالعكس.
ومثل هذه التجربة الفرنسية للعلاقة بين الأدب والثقافة من جهة والسياسة من جهة أخرى، نجدها في دول عديدة، مثال ذلك الشاعر السنغالي ليوبولد سيدار سنغور (و سنجور) وقد كان الشاعر الرئيس هو أول رئيس للسنغال (1960-1980) ثم تنازل بمحض إرادته عن الرئاسة مرشحاً (عبدو ضيوف) خلفاً له.
وهو أديب عالمي وشاعر مشهور يعتبر الكثيرون ليوبولد سنغور أحد أهم المفكرين الأفارقة من القرن العشرين، وقد انعكست ثقافته على سياسته وطريقة إدارته للدولة في حينها.
وهذا مثال آخر يؤكد بأن السياسة والثقافة يمكن أن تلتقيا في أكثر من مجال، ومن الممكن أن تجمع بينهما أواصر معينة، وتنصهرا في بوتقة واحدة، فتكون الثقافة في هذه الحالة سندا وعونا للسياسة كأنها المرشد والمشاور المخلص لها، ويمكن في نفس الوقت أن تكون السياسة عونا للثقافة، فتمنحها الكثير من الفرص التي تجعلها عونا للمجتمع وللدولة أيضا. نحتاج في العراق أيضا أن تُزال العوائق التي تفصل بين الثقافة والسياسة، ويطمح العراقيون بأن يكون قادتهم على علاقة متواصلة مع الثقافة والمثقفين، ولا بأس أن ينفتح الساسة على المثقفين وعلى المؤسسات والمنظمات الثقافة، ولا بأس أن يتم فتح قنوات متواصلة للحوار بين الطرفين، ومن الأهمية بمكان أن يتم العمل على تحييد المتضادات التي قد تنشأ لهذا السبب أو ذاك، لاسيما أننا على اطلاع بطبيعة العلاقات المتشنجة بين السياسيين والمثقفين أو الأدباء والشعراء في مراحل تاريخية متعددة. السؤال الأخير، هل يمكن التقريب بين السياسي والمثقف بعيدا عن المصالح المادية الآنية، ونعني هنا التقارب من أجل الناس وبناء الدولة، وإذا كانت هناك إمكانية لمثل هذه العلاقة بين الساسة والمثقفين، فما هي الخطوات الإجرائية التي يمكن أن تصل بنا إلى علاقات فاعلة نزيهة من المآرب المسيئة، هدفها الأوحد بناء دولة رصينة ومجتمع مثقف.