سناء الوادي
عقب ما جرى مع الطالبة الأمريكية ذات الأصول الهندية المسلمة “ أسنا تبسّم “ في جامعة جنوب كاليفورنيا، والتي تم منعها من إلقاء خطاب التميّز السنوي، حيث اعتبرت أكثر طالب متفوق في الجامعة ويحق لها اعتلاء منصتها التي تستحق للعام 2024م وما كان ذلك إلا بتحريضٍ من اللوبي الصهيوني، فقد نشرت منظمة “ طروادة لأجل إسرائيل “ عبر حسابها على الانستغرام بأن الجامعة منحت أعلى وسام للطالب الذي يروج علناً للخطاب المعادي للسامية في إشارة واضحة لأسنا تبسم، ما جعل إدارة الجامعة تلغي حفل التفوق لهذا العام، مبررة ذلك بالحفاظ على الأمن الجامعي، ولا يعني المساس من حرية التعبير.
تكررت مثل هذه الإجراءات التي تفضح ازدواجية المعايير، التي تعتنقها أمريكا وتكشف زيف المبادئ والقيم والفضائل التي تتولى بلاد العم سام نشرها في دول العالم، ولكن هذه المرَّة بشكل أوضح للمواطنين الأمريكيين أنفسهم، فقد عمّت الاعتصامات الجامعات الأمريكية في الكثير من الولايات تباعاً في الشهر الجاري، تلك الاعتصامات التي تنادي بحق الفلسطينيين في الحياة، والمطالبة بوقف حمام الدم في قطاع غزة فوراً ورفع الصوت الذي يريد الضغط على الكيان الصهيوني بوقف الاستثمارات وفك الارتباط الأكاديمي والربحي لعدة جامعات مع إسرائيل، وها هنا نشهد تدخل الشرطة واعتقال ما يتجاوز المئة والعشرين طالباً، ووقف آخرين عن الدراسة واتخاذ إجراءات تأديبية للباقي.
في الحقيقة فإن ذلك يدخل ضمن سلسلة الفضائح التي لا ترضى عنها الدولة العميقة والتي تزامنت مع فترة الإدارة الحالية لجوزيف بايدن، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا ما قامت رئيسة جامعة كولومبيا “ نعمت شفيق “ ذات الأصول العربية باستدعاء قوات الحرس الوطني كخطوة أخيرة لفضّ الاعتصامات الجارية في حرم الجامعة، ما قد يتسبب بتكرار الحادث المؤسف في جامعة “كينت” عندما اقتحم الحرس الوطني باحات الحرم الجامعي عام 1970، لإنهاء تظاهرات طلابية مطالبة بوقف الحرب الأمريكية على فيتنام آنذاك، وأفضى عن ذلك قتل أربعة طلاب في كينت واثنين آخريَن في جامعة جاكسون.
وفي السياق نفسه تضجّ وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام الممولة صهيونياً بجهود مكثّفة لشيطنة تلك الاعتصامات الجارية في تسع ولايات، وإلصاق التهمة الرائجة في هذه الفترة لكلِّ من يناهض السياسة الإسرائيلية تهمة “ معاداة السامية “ متجاهلة مشاركة العديد من الطلبة اليهود في تلك الاحتجاجات السلمية المنظمة والمحمية قانوناً. ما يحدث الآن في أمريكا ينبئ عن تخلخل كبير وخطير في الداخل، ويشير إلى الشرخ بين الأجيال القديمة التي تتشرب كل ما كان يملى عليها من قنوات الإعلام التي تديرها الدولة العميقة، وبين الأجيال الناشئة التي تتواصل مع العالم الخارجي وبالتأكيد للتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي المساهمة الأكبر في ذلك، لا بدَ أن خطاب الكراهية لليهود الذي تسعى الإدارة الأمريكية منعه بشتى السبل والحفاظ على مشاعر الطلاب اليهود الخائفين من أي اعتداء يصيبهم، لم يعد مقنعاً للكثيرين حيث أنَّ مصطلح معاداة السامية اتخذ معانٍ جديدة بعيدة عن فحواه الديني ليطال كلَّ من ينتقد السياسة الصهيونية المتطرفة والإيديولوجية اليمينية، التي سيطرت على حكومة بنيامين نتنياهو، ناهيك عن توافق الأفكار بين اليمين الإسرائيلي والمسيحية الإنجيلية الصهيونية المتغلغلة في المجتمعات الغربية ككل. هذا وإن الاعتصامات الطلابية تضع حق حرية التعبير عن الرأي على المحك، فهل ستصان تلك الحرية عندما يتعلق الأمر بقضايا مناهضة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة العربية؟
لا أعتقد ذلك فالكلمات التي تفوّه بها رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون أثناء زيارته لحرم جامعة كولومبيا، لها دلالة واضحة على التحيز المفضوح لإسرائيل حيث طالب نعمت شفيق بالاستقالة إذا لم تنهِ اعتصامات الطلاب وإنه لن يقبل بوقوف الكونغرس صامتاً أمام هرب الطلاب اليهود للنجاة بحياتهم، بينما ضاع حق الطالبة المسلمة أسنا تبسم بإلقاء خطاب التفوق السنوي، فقط لأنها شاركت منشورا على صفحتها الشخصية يرفض قتل الأبرياء في غزة.
كاتبة وإعلامية سورية