نقد الخطاب العربي المعاصر

آراء 2024/05/02
...







 علي المرهج


حاول (سمير أمين) أن يكشف لنا في دراسات أربع وضعها تحت عنوان كُتيب «في نقد الخطاب العربي الراهن) عن اِلتباس المفاهيم المستخدمة في الخطابات الراهنة.

سعى في كتابه هذا إلى تعرية الخطابات الغربية والعربية المعاصرة وإظهار طابعها غير العلمي، لا سيما في توقعاتها في انهيار الاشتراكية التي يُعد (سمير أمين) أحد المتبنين لخطابها الصلب في مواجهة الرأسمالية.

ما يُميز نقده للخطاب العربي المعاصر هو قدرته على تعرية خطاب القوميين والإسلاميين العرب والتأكيد على «تهافت» هذه الخطابات. لا يخالف (سمير أمين) تيار القومية من جهة إيمان دعاته ومفكريه بالوحدة العربية والسعي لتحقيقها، لكنه ينتقد ستراتيجية العمل عند القوميين على تحقيقها، لأنّه يعتقد أن أغلب التيارات القومية قد تخلت عن «إنجاز الوحدة العربية من خلال النضال الطبقي) (ص43)، لأنَّ الأطروحة التي توصل إليها في كُتيبه هذا هي «أن إنجاز الوحدة المطلوبة أمر مستحيل من دون «الخروج من الرأسمالية» بمعناها الشامل» (ص43).

إنَّ مهمة المفكر العربي كما يرى (سمير أمين) هي التصدي لتيار العولمة بطابعه الرأسمالي واستبدال العلاقات ذات الطابع الرأسمالي بعلاقات ذات طابع اشتراكي في إدارة المجتمع، وهذا أمر طبيعي لأنه منسجم مع طبية توجهه الفكري القائم على الإيمان بالفكر الاشتراكي وما أسماه «المادية التاريخية العالمية» التي على نقد الرأسمالية وبناءاتها المعرفية والأيديولوجية، والعولمة بالنسبة له ما هي إلا شكل جديد من أشكال الرأسمالية الذي يقوم على تكريس تبعية الأطراف للمركز، لذاك نجد سمير أمين يكرّس نفسه لنقد «التبعية» التي لا يخلو منها الخطاب العربي المعاصر من جهة استسلامه أو من جهة تبعيَّة البعض منه للرأسمالية واتجاه الدول «النامية» للخصصة انسجامًا مع العولمة واتباعًا للرأسمالية ونزعتها الإمبريالية.

لا ينفي (سمير أمين) مجمل خطاب القوميين الذين أسسوه على أصول مثل: اللغة ووحدة العقيدة الدينيَّة في الأغلب الأعم، لكنّه ينتقد «أسلمة المجتمع» في كتابات القوميين الذين يجدون ويجتهدون لدمج العروبة بالإسلام، بل يُسمي هكذا توجه «خرافة العروبة» (ص50)، لا سيما في تأكيد بعض المفكرين القوميين على أن «القوميّة العربيّة أمر ثابت متواصل عبر تاريخ الشعوب الناطقة بالعربيّة، وهي مقولة ذات طابع أيديولوجي بحت» (ص52).

لا توجد ثوابت في رسم الهوية القوميّة، لأنّ جميع الثوابت خضعت وستخضع للتغيير. ولا أدل على ذلك من تراجع بعض القومويين عن أطروحاتهم بعد هزيمة 67، وفشل خطاب العروبة لنجد الكثير من دعاة الخطاب (القوموي) يميلون للاندماج مع الخطاب (الإسلاموي) الراديكالي.

على الرغم من ميله للخطاب الوحدوي، لكنّه يجد في الخطاب القطري ما يمكن قبول تأصيله التاريخي أكثر من الخطاب العروبي (القوموي) الزائف، لأنّه يعتقد أنَّ «للقطرية جذور أعمق ترجع إلى مسيرة التاريخ قبل الغزو الاستعماري الحديث» (ص55).

لا يُنكر وجود بعد عروبي (وحدوي) يعمل عمله، ولكنه في الوقت ذاته يعترف بوجود انتماءات جماعاتية أخرى قد تتضاد مع النزعة العروبيَّة، فمن غير المعقول «المزارع المصري والبدوي في الجزيرة وراعي الغنم في المغرب قد عاشوا «ذاتية عروبيَّة» تجعلهم في «وعي الوحدة» (ص57).

لا معنى لوجود خطاب عروبي وحدوي يُنكر التنوع الثقافي والإثني في المجتمعات العربية ـ الإسلامية، أو يُنكر الخصائص القُطرية لكل مجتمع يعتز أبناؤه بعروبتهم.

لا قيمة لخطاب وحدوي عروبي لا يعترف بالتنوع والتعدديَّة الإثنيَّة والعرقيَّة والثقافيَّة والدينيَّة والمذهبيَّة في مجتمع مختلف مثل مجتمعنا العربي.

ما ينتقده (سمير أمين) في فكر القوميين أنه يجدهم لا يختلفون عن الإسلاميين فدعاة القومية يتبنون مقولة «القومية هي الحل» على نمط الإسلاميين «الإسلام هو الحل» (72). يتصور القوميون أن الوحدة مفهوم ميتافيزيقي، وهم لا يختلفون عن الإسلاميين الذين يعتقدون أن الحل يأتي من النص المقدس فقط لا من الواقع.

ما يدعو له هو «تشكيل تكتل طبقي.. بشرط أن تلعب به الطبقات الشعبيَّة دورًا أساسيًا، قد يؤدي ـ ولو بالتدريج عبر صراعات وإنجاز خطوات إلى الأمام وردات ـ إلى قيادة شعبية صريحة» (ص76).

دافع عن خطة عمل «الماوية»، أو ما قدمه «ماوتسي تونغ» حينما جعل من الفلاحين بمثابة «الطليعة الثوريَّة» بعد أن كيّف الماركسيَّة اللينينيَّة مع ظروف مجتمعه الصيني.

يعتقد أنّ الإسلام السياسي «ظاهرة حديثة وليس استمرارًا لظاهرة قديمة» (ص97)، لأنّ جلَّ حركات الإسلام السياسي إنما هي ترتبط بالرأسمالية، لذلك نجده يدافع عن العلمانية ويدعو إلى «فصل مجال السياسة والدولة عن الدين فصلًا نهائيًا. العلمانيَّة (كما يقول) هي شرط إقامة ديمقراطية خلّاقة من دون حدود، متحررة من واجب تدعيم مبادرتها بإعادة تفسير الماضي ـ الديني وغيره ـ من أجل إضفاء شرعية للتغيير المطروح» (ص110).