ولماذا الضيق بالآخرين ؟

اسرة ومجتمع 2019/06/02
...

حسين الصدر
- 1 - 
هناك ظاهرة معروفة بين أصحاب المهنة الواحدة والصنعة المشتركة، قد تحمل أحدهم على أنْ يضيق ذرعاً بزميله، ويتجاوز حدود الضيق الى العداء احيانا ، في مسلك أناني رهيب، لا تبرره قواميس الاخلاق على الاطلاق .
ولا تقره موازين العقل والعدل .
 
- 2 -
وعلى العكس من ذلك قد تجد زميليْن متحابيْن يسعى احدهما لصالح الآخر بكل ما يملك من قوة، بعيداً عن كل ألوان الحساسيات والمشاعر السلبية .
ومن هذا نفهم أنَّ النفوس تتفاوت في طبائعها وخصائصها فهناك النفس الصافية التي تُحب الخير لها وللآخرين .
يقول شاعرهم :
فلا نزلتْ عليّ ولا بأرضي 
سحائبُ ليس تنتظم البلادا
اننا أُمرنا دينيّاً أنْ نُحبَّ لغيرنا ما نُحبّ لأنفسنا من التقدم وعلو الشأن والتوفيق .
فالضيق بالآخرين إفراز شخصي ، يشي بكثير من النرجسية المقيتة .
 
شاهد تاريخي 
 جاءني احدهم – وهو يقطر أَلَماً وغضبا – وقال :
انك تُحارب فلاناً فلم أُجبْهُ بحرف واحد ..!!
لقد كان هذا الزائر يريد أنْ يكون الطريق مفروشا بالرياحين لصاحبه، وحين علم انّ الزملاء عازمون على اختيارنا لما أراده لصاحبه ، قَلَبَ لنا ظهر المجّن واتهمنا بمحاربة صاحِبهِ مع أنَّ شيئا لم يكن لنا ضده على الاطلاق ...
 
- 3 -
والشعراء احدى الشرائح التي يكثر فيها التشنج، الذي يقود أحيانا الى التخاصم والهجاء الفظيع، خذها من (جرير) و(الفرزدق) في العصر الأموي الى (الرصافي) و(الزهاوي) في ظل الحكم الملكي العراقي .
 
- 4 -
لقد امتنع (الزهاوي) أنْ ينشر قصيدة من شعره في مجلة (الزنبقة) وهي مجلة أدبية اصدرها (عبد الأحد حبّوش ) سنة 1922 ، وانطلق لزيارة (الزهاوي) برفقة (احمد حامد الصراف) –الاديب القانوني الراحل – وطلب من الزهاوي المشاركة فرّحب به وقال :
“ اننا بحاجةٍ الى مثل هذه المجلات كي لا نكون عالة على المصريين واللبنانيين “
وهو شعور أدبي وطني فياض .
وحين قُدّم عددٌ من المجلة المذكورة الى الزهاوي ، وفتح الصفحة الاولى وجد قصيدةً للرصافي تحتل الصدارة فقذف بها في الهواء حيث دارت دورتين أو ثلاثا ، ثم سقطت على الارض وقال :
 
يا رجل :
اذا كنتَ من اتباع الرصافي المعجبين به ، فلماذا تأتي اليّ وترغب بنشر قصائدي ؟
والسؤال :
ما هو الضرر من ان تنشر المجلة شِعْرَ الرصافي والزهاوي معاً ؟
ولماذا هذه الحساسية المفرطة التي لا محل لها من الاعراب ؟
 
- 5 -
 وتبلغني أخبار المساعي المحمومة، التي يقوم بها بعض الزملاء ازاء زملائهم، لازاحتهم عن مواقعهم واحتلالها بعدهم، لتضيف الى قائمة المتشرنقين بنزعتهم الذاتية،صنفاً جديداً ممن يضيق حتى بأصدقائه وزملائه، في مؤشر واضح على الافلاس الأخلاقي والانساني ، وهو ما يدعونا الى قرع أجراس الانذار ..!!
والتحذير من المخاطر والاضرار .