د. أثير ناظم الجاسور
قد تكون البدايات من افكار انصار السلام الديمقراطي الذين يؤكدون على أن الديمقراطيات لا تقل عدوانية وشراسة عن الأنظمة الشمولية الدكتاتورية، لطالما يراود من يُفكر في تفاصيل هذا المفهوم ومخرجاته أو تلك التي نعدها مخرجاته من مفردات تلامس الفكر شعوريا، كأنها تخاطب مستويات من العقول التي باتت تفهم كل مخرجات الغير على إنها إيجابية، إلى جانب مجموعة من المغريات التي يتم عرضها على إنها بديهيات هذه الأنظمة التي تعمل دون كلل على إحياء فكرة الإنسان لا غير، لا تُعد فكرة الإنسان في عالم اليوم سوى فكرة طُرحت من قبل مفكرين تم التنظير لها وفق متبنيات شخصية أرادت أن تُظهر مستويات التطور التي مر بها العقل البشري ضمن سياقات الضرورة التي يراها ذلك المنظر أو المفكر تساعد على تحجيم الشر ضمن سلسلة من المعايير.
فكرة الأنظمة الديمقراطية ومساراتها ومستويات المهم والأهم تقوقعت وفق سياقاتها المصلحية التي بالضرورة تنتج لها كل ما يتناسب وعملية تحقيق أهدافها، وهذا يتم من خلال تحديد سياساتها تجاه النماذج التي تحاول السيطرة عليها من خلال تقييم حدود الفائدة التي تجنيها منها، ويتم ذلك على مسارين الاول قراءة حجم تلك الفائدة بغض النظر عن الضرر الذي قد يتسبب للمنطقة أو شعوب الدول المستهدفة، المسار الثاني هو المسار المتعارف عليه هو تحقيق السيطرة والنفوذ أيضا بغض النظر عن المبادئ القانونية والاخلاقية ووفق المستترات للقواعد، التي يتم وضعها من قبل منظري هذه الأنظمة ووفق مستترات المدارس الفكرية، التي باتت منطلقاتها الموجهة لسياساتها في العالم.
من بديهيات الدول التي تبحث عن مصالحها أو تكون مصالحها الرقم واحد حتى، وإن كانت على حساب كل القيم تُحارب في نهاية المطاف، من أجل تحقيقها، وتخوض هذه الأنظمة الحروب من أجل المفهوم والقيمة، التي أيضا تصب في تلك المصلحة التي تسوق في كل مرحلة مفاهيم تُصدر ولا تُطبق، مسارات هذه الأنظمة تُبنى على مجموعة من المعايير والشعارات، كمحاولة لاغراء المُتلقي على اعتبار أن هذا الأخير أرض خصبة لهذه الشعارات لابل تواق للتجربة حتى يحين موعد تطبيقها، لتكون نقطة الانطلاق للحنين للسابق وكل ما يحتويه من نتاجات حتى وإن كانت قاصرة.
الديمقراطيات المحاربة من غير الممكن في عالم اليوم، تكون متحاربة لالتقاء مصالحها ولاعتبارات الهدف الواحد، فشاهد حرب العراق، بالرغم من معارضة بعض الدول الديمقراطية للحرب، لكن في النهاية باتت شريكة وشريكة ضامنه للمشروع الامريكي، في ليبيا ذات التوجه بعد أن تم تهديد الديمقراطيات من الحرمان من النفط الليبي في حال الاعتداء فما كان منها الا ان تلتف حول الناتو، والديمقراطيات ذاتها اليوم لا تحارب، بل تمرر مسؤوليات الحرب للغير والحرب في أوكرانيا دليل فكرة حائط الصد من تمدد الخطر الروسي، فالديمقراطيات التي صدعتنا بحقوق الإنسان والحريات والعدالة والقيم الاخلاقية المثالية سواء الاجتماعية منها أو السياسية باتت متعطشة لمشاهد الرعب الدولي اليومي وتشاهد الفوضى والتصدعات هنا وهناك كمشاريع ضرورة إنجازها، الديمقراطيات وشعاراتها موجهة صوب أهداف متعددة وصوب شعوب متعطشة للحريات ناقمة على الطغيان والظلم والجوع، الديمقراطيات على علم بمسارات العمل السياسي لشعوب المناطق المستهدفة، وعلى علم بالعوامل التي تساعدها على السيطرة والهيمنة، فغزة وأطفالها ونساؤها وشيوخها بعيدة عن أولويات الاخلاق الدولية لهذه الديمقراطيات، طالما هناك أسواق للسلاح وخطوط نفطية لم تقطع وأنظمة مأزومة، فكل شيء ووفق سياساتها على ما يرام، الديمقراطيات لا تحارب ولا تتحارب في ما بينها ولا تستطيع أن تُعطي التصور الواضح عن المفاهيم، التي تحاول تصديرها فهي تُعاقب اليوم شعوبها المتعاطفة مع الحرب ضد الشعب الفلسطيني، وتُلاحق كل من يحاول أن يتحرر من قيودها النظرية والفكرية التي يراها غير مناسبة، الأنظمة الديمقراطية الغربية لا تُحارب بعضها فلها نتائجها ومخرجاتها التي بالمحصلة تصب في مصلحتها.