د.يحيی حسين زامل
كنت شاكًا في جواب هذا السؤال، معتقدًا أن وعي المجتمع هو مسؤولية الأفراد أنفسهم، وهم وحدهم يحددون مستقبلهم وعملهم ومشاريعهم، من خلال الدراسة والتحصيل العلمي والاطلاع علی الحقائق الاجتماعية والسياسية والثقافية، والتركيز علی وسائل وأدوات التطور والتقدم الاجتماعي، وكذلك في حالة تعثر تعليم الفرد أكاديميًا، يمكنه تثقيف نفسه من خلال المطالعة الخارجية للكتب والمصادر العلمية والفكرية والثقافية، التي تؤهله لازاحة الجهل والتخلف واحلال العلم والمعرفة والثقافة، وبالتالي فالوعي هو الناتج الطبيعي لتلك الممارسة أو العملية الثقافية المستمرة، ولكن تجارب هؤلاء كانوا من القلة في المجتمع بحيث لا يمكن التعميم عليها.
ولعل في ملاحظة التجارب للحكومات والشعوب الأخری أكثر من فائدة يمكن الاستعانة بها، أو علی الأقل تبيان الفرق بين حكومات منتشرة في البلاد العربية وحكومات آخری. ففي التجربة اليابانية مثًلا أو الصينية نلاحظ وبشدة اهتمام الحكومتان بالفرد الياباني أو الصيني، من خلال التوجيه والتركيز والتثقيف لشخصية كل منهما، وعلی الرغم من تعرض بلد مثل اليابان لخسارة كبيرة في الحرب، وإلی ضربة بالقنبلة الذرية، وأنه غير صالح للزراعة إذ يتكون من جزر صخرية مختلفة ومتنوعة الأشكال والأنواع، إلا أنه قد تم تحويله إلی بلد صناعي، وتم بنفس الوقت تأهيل شعبه وتكييفه مع أوضاع العالم اليوم، علی الرغم من أنه لم يتخل عن تراثه ومعتقداته أو تقاليده التي يفتخر بالاحتفاظ بها. وأصبحت اليابان اليوم بلد يُفتخر به، وبتكنولوجيته، وصناعته، ومدی انضباط الشخصية اليابانية، وكل ذلك راجع إلی حرص الحكومة نفسها علی التغيير والتقدم والتطور من خلال برنامج حكومي مستمر من عمر الطفولة إلی أن يتم تصييّره رجلًا عاملًا ومنتجًا يؤدي وظائفه بشكل سليم ومنتظم.
ولا تختلف الصين عن هذه التجربة الخلاّقة في تأهيل شعوبها، وحرصهم الكبير علی تدريبه علی العمل، وبذل اقصی الجهود في تقديم أفضل البرامج، وإن كان بعضها قد اصابه التعثر والخسران، إلا أن الخسارة والفشل يعلمان النجاح والتقدم، والتركيز علی تقديس ثقافة العمل، فتری الصينيون كبارًا وصغارًا يمارسون اعمالهم بشكل مستمر... بينما تفتقر معظم بلداننا مثل هذه البرامج.
ويذكر «شكيب ارسلان» (كاتب ومفكر لبناني)، في كتابه (لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟)، عدِّة أسباب لتأخر المسلمين، منها : (الجهل، الجمود علی القديم، العلم الناقص، الجبن والهلع، اليأس والقنوط، فقدهم كل ثقة بأنفسهم، فساد الأخلاق، فساد أخلاق الأمراء، فساد الحكام والعلماء)، ولعل في العبارتين الاخيرتين يرتبط جوهر موضوعنا ففساد الامراء والحكام - الحكومات حاليا - هو الأساس من وجهة نظري، وفسادهم يؤدي بلا شك للجهل والتخلف واليأس وفقدان النجاح في أكثر مناحي الحياة.
إن الحكومات التي اهملت دورها في توعية وتوجيه شعوبها، لا سيّما الحكومات المتواطئة علی غبن شعوبها، وتركهم ضحية الجهل والتخلف والأمية هي نتاج حكام فاسدين، وهي العامل الأهم في تأخر الشعوب، فالحكومات بوصفها الأقوی التي تمتلك الموارد الاقتصادية، وتتحكم في سياسة البلد، ولديها الخبرات، وتمتلك المستشارون والخبراء الذين بوساطتهم يمكن تقديم أفضل البرامج الحكومية بالنهوض بالبلاد والمجتمعات، وإحالتهم من موضع الجهل والتخلف والتأخر إلی حالة التطور والتقدم والازدهار.