طالب سعدون
الارض أهم ما يبقى للشعب يتوارثها جيل بعد جيل وهي ملك عام ينحصر بالدولة فقط.. وحمايتها ليس فقط في أن تمنع العدوان الخارجي عنها، وهو مبرر وجود الجيوش في العالم والانفاق العالي عليها بل حمايتها في الداخل من التجاوزات والعشوائيات، وتوفير مقومات الحياة لها وفي مقدمتها الماء وتنظيم عملية استهلاكه، بما يخدم المواطنين وإعمار الارض (ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فاذا انزلنا عليها الماء اهتزت وربت)..
قانون إلهي.. الأرض بدون ماء ارض يباب يابسة (ميتة)، والماء يجعلها خضراء مزهرة وتتحرك بحركة الإنسان عليها.
اعطنِ ماء أعطك حياة وجمالا.. حكمة متوارثة وستبقى خالدة ما دامت الارض تدور.
وكان الماء من العوامل الاساسية في قيام حضارات ومنها في الرافدين (اربع حضارات).. والاخوان (دجلة والفرات)، لهما مكانة كبيرة وقدسية في الحضارة وعند العراقيين القدامى امتدت إلى الاجيال اللاحقة والى يومنا هذا.. فالمياه هي الأساس لازدهار هذه الحضارات من خلال الزراعة والري وتحقيق الاستقرار والاقتصاد والتمدن والتقدم في كل مجالات الحياة.. وكانت لهذه الارض ابداعات فاضت بخيرها على الانسانية.
وما كان لتلك الحضارة أن تقام على هذه الارض لولا الماء.. فالنهر والحضارة صنوان.. حيثما وجد الماء وجدت الحياة والحضارة..
دجلة والفرات صنعا هذه الحضارة والثقافة، وحققا الاكتفاء الذاتي الاقتصادي وغذاء الشعب.. فالعراق على مدى تاريخه الطويل، كان بلدا زراعيا قبل أن يكون نفطيا.. سمي بارض السواد لخضرته الدائمة على مدار السنة وتنوعها.. حيث الاهوار والجبال والسهول وتنتج محاصيل وغلالا متنوعة تكفي للاستهلاك المحلي وتفيض للتصدير.
كيف حال الاخوين (دجلة والفرات)، وهما يعانيان من انحسار نسبة كبيرة من مياهما دفعت منظمات دولية إلى التحذير من الجفاف ونتائج ذلك على الانسان والزراعة والحالة المعنوية لبلاد بكاملها.
ومن هنا تاتي اهمية العلاقات مع دول الجوار في هذا المجال الحيوي لإدامة الحياة في النهرين وروافدهما، لأداء دورهما في الحياة الراهنة على غرار ما قدماه في الماضي.. ومن هنا ايضا تأتي اهمية زيارة الرئيس التركي طيب رجب اردوغان إلى العراق مؤخرا، والترحيب بها رسميا واعلاميا ومتابعة نتائجها.. فقد توصل الطرفان إلى مذكرات تفاهم أو اتفاقات عديدة من بينها اتفاقية لادارة الموارد المائية لعشرة اعوام قابلة للزيادة.
ما يهم خبراء المياه في الدرجة الأساس في الاتفاقية هو حصة العراق العادلة من المياه وتثبيتها في الاتفاقية، وتحديد صفة النهرين بالدولية وليس العابرة للحدود أو المحلية التركية كما يتردد بين حين واخر وذلك خلاف التاريخ العريق، الذي اشرت اليه باختصار في مقالي وان تكون حصة العراق مستقلة عن المصالح الاخرى أو المكاسب على حد وصف احد اعضاء مجلس النواب، حيث يرى ضرورة ان تكون هناك شراكة فعلية لا تقتصر على موضوع كمية المياه التي يمكن اطلاقها للعراق فقط بل التباحث بشأن السدود في تركيا خاصة وان اغلبها تم دون اطلاع العراق أو استشارته أوقياس تاثير اقامتها على البلاد، فهي تستهلك مياها كثيرة تؤثر في حصة الطرف الاخر.. فلا يصح ان يعرف طرف كل المعلومات عن الطرف الاخر ولا يعرف هذا الطرف معلومات عن شريكه.. اضافة إلى وجوب توفير حاجة العراق لخطته الزراعية الفعلية وليس حسب قناعة دولة المنبع فتكون الخطة رهنا بالطرف الآخر خاصة، وان الاتفاقية غير ملزمة بتحديد حصة العراق.. يجب تحديد الأرقام بدقة..
وعندها يكون الطرفان قد استفادا من مذكرات التفاهم الأربع والعشرين جميعها، وتكون العلاقات المائية قد اقيمت على اساسها الصحيح الذي يحقق مصلحة الطرفين ويظهر اثرها في الارض سريعاً.