ملاحظات حول «حق الحصول على المعلومات»

آراء 2024/05/08
...

عمار طاهر

الأصل في تشريع القانون هو خلق الشفافية، وتمكين المواطن من الاطلاع على تفاصيل العمل الحكومي، ولا سيما في ما يخص علاقته بالدوائر والوزارات، الأمر الذي يقلل حجم الفساد، وينمي سلطة الجماهير، ويعزز الرقابة، والنزاهة، ويبرز دور الصحافة والإعلام بوصفها صوت الحق، وعين الشعب.

تسعى لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام في مجلس النواب لإقرار مسودة قانون حق الحصول على المعلومة، في خطوة تبيح المحظور عن بيانات لست سرية، لكنها محجوبة بحكم الروتين الحكومي، فهي تحتاج إلى تشريع لتحريرها من الأدراج المغلقة، وإزالة الخوف عن إعلانها إلى الجمهور، في ظل نظام ديمقراطي استغله بعض المفسدين، فكان بمثابة حصان طروادة للدخول إلى خزائن الدولة وسرقة المال العام.
وقد نظم معهد التطوير النيابي ورشة عمل لمناقشة مسودة القانون، دعا لها جهات رسمية وغير رسمية، لم تسنح لها الفرصة للإدلاء برؤاها بسبب طول الكلمات الافتتاحية وضيق الوقت، على امل تنظيم ورش أخرى مستقبلا، وهو إجراء سليم اعتاد عليه مجلس النواب عند إقرار التشريعات، نتمنى أن يتواصل بشكل حقيقي، وألا يكون مجرد إسقاط فرض. لقد أصبح من المعروف أن ثقافة السرية التي طالما كانت طريقة عمل الحكومات في جميع أرجاء الدنيا على امتداد عقود طويلة، لم تعد قابلة للتطبيق في عصر عالمي من المعلومات، وأصبح من الضروري في عصر الإنسان الرقمي أن تقدم الأجهزة التنفيذية للدولة الوثائق والبيانات لتسلك درب النجاح.
إن الأصل في تشريع القانون هو خلق الشفافية، وتمكين المواطن من الاطلاع على تفاصيل العمل الحكومي، ولا سيما في ما يخص علاقته بالدوائر والوزارات، الأمر الذي يقلل حجم الفساد، وينمي سلطة الجماهير، ويعزز الرقابة، والنزاهة، ويبرز دور الصحافة والإعلام بوصفها صوت الحق، وعين الشعب.
وعند إلقاء النظرة الأولى على مسودة القانون الجديد يشعر الرائي انه كتب على عجل، فالصياغات بحاجة إلى صياغة، والفقرات تفتقر إلى عبارات وجمل، بقلم خبير قانوني، ويراع مفكر إعلامي، إذ لا تتناسب مع قانون مهم أثار الجدل طيلة المدة السابقة، وخلق حراكا في شبكات التواصل.. ما بين معارض، ومشكك، ومرتاب.  ومن الملاحظات التي يمكن أن نؤشرها على مسودة القانون إضافة الرسائل، والمذكرات، والتقارير، والمخاطبات الرسمية، والأفلام، والخطط، والرسوم البيانية، والملفات الإلكترونية، أو تلك التي تقرأ آليا ، إلى الفصل الأول المادة أولا الفقرة (1)، إذ لا يجب أن تقتصر المواد المسموح بنشرها على أشكال محدودة، فالإطلاق هنا افضل من التحجيم والتضييق. ولم يشمل الفصل الأول المادة أولا الفقرة (2) الشخصيات التي تقدم خدمة عامة، واقتصرت على المؤسسات الحكومية وغيرها، أي يمكن الحصول على معلومات تتعلق بالوزارة، ولا يمكن طلب المعلومات الخاصة بالوزير، مثل كشف ذمته المالية، وعدد إيفاداته السنوية، ونثرياته، والهدايا التي يتلقاها وغيرها . إن إخضاع الشخصيات العامة إلى سلطة القانون، وإجبارها على الإباحة بالأمور الخاصة بالوظيفة، تفضي إلى انخفاض الهدر بالمال العام، في وقت أضحت النزاهة والإخلاص والضمير والوطن مفردات منزوعة المضامين، تستدعى من المتحف اللغوي في المناسبات العامة، ولا يعني تداولها سوى طقس فولكلوري.
ووردت في التشريع عبارات مبهمة بلا نهايات حاكمة، مثل تلك التي جاءت في الفصل الأول المادة أولا الفقرة (4) التي تتحدث عن أن الإفصاح على المعلومات يقود إلى ضرر.. ولم تحدد هل هذا الضرر يمس المؤسسات أو الأشخاص؟ وما نوع الضرر وحجمه ؟ إن الفقرات المحكمة تجنب المشرع العديد من الإشكاليات التي قد تظهر أثناء التنفيذ. ولم يحدد القانون الفئات العمرية المشمولة بحق الحصول على المعلومات، فهل باستطاعة الأطفال أو المراهقين مثلا تقديم طلب؟ ولا سيما أن المطروح أن تكون الاستمارة إلكترونية، أي متاحة بدون وجود سؤال عن السن، وكان من الأجدر أن يكون العمر (18) سنة فما فوق كما هو معمول بالقوانين العراقية الأخرى، فذاك يضع صاحب الطلب تحت الإجراءات القانونية ذات الطبيعة القسرية. الفقرة (8) في الفصل الثالث لم تحدد أسباب عدم البت في الطلب، هل لأسباب واردة في القانون، أم لمسوغات أخرى مجهولة، في حين لم تذكر المادة العاشرة من الفصل نفسه مبلغ الحصول على المعلومات، فتركه مفتوحاً بلا حدود وقد يستخدم ذريعة لتقييد المعلومة، ولاسيما عندما يكون باهظا. وثمة تداخل في الفصل الرابع، فالمادة أولا تعد المعلومات محظورة عن السياسة الخارجية، والمادة ثامنا تمنع المعلومات التي تتعلق بالمفاوضات بين العراق وبلد أخر، ويمنع القانون في المادة (12) المعلومات عن المناقصات والعقود، ولا نعرف السبب من عدم الإفصاح عنها بعد مدة من الزمن عندما تغدو أمرا واقعا، إذ يمكن تداولها من باب الشفافية، وتعزيز الوظيفة الرقابية للإعلام. وحدد القانون الممنوع.. ثم يعود ويحدد المسموح، والمبدأ أن يحدد أما الممنوع، وأما المسموح به، والأفضل أن يطلق سراح المعلومات، ثم يزيد من مساحة المتاح منها تدريجيا، فلا ضرورة أن يعدد المحجوب من معلومات بعض الجهات، وهي غير متاحة في الأصل، وكأنه يراد من القانون حجب المعلومات لا إعلانها أمام الشعب، وذلك يخلق ردود أفعال سلبية إزاء التشريع والمشرع.  وجاء في الفصل السادس ضمن الأحكام الختامية بالمادة 16 أولا عبارة مفتوحة تذكر (يعاقب بالحبس والغرامة كل من: نشر المعلومات التي لا يجوز الحصول عليها في أحكام المادة (11) من القانون)، فمن المقصود هل هو الموظف المعني بالمعلومة؟ أم الشخص طالب المعلومة؟ أو الحاصل عليها؟ مثل صحفي الذي تقتضي مهنته التحري والاستقصاء مع ضمان عدم الإفصاح عن مصادره بموجب قانون حقوق الصحفيين لسنة 2011 المادة رابعا الفقرة (2). التداخل بين القانون والقوانين الأخرى يجب أن يؤخذ بالحسبان ، مما يتطلب عرضه على فقهاء في التشريعات العراقية، مثلما يحتاج المشرعون الاطلاع على القوانين المشابهة في العالم، فهي شائعة حاليا في الأنظمة الديمقراطية، وتتشابه بشكل واسع، فلم يعد من الممكن إخبار المواطن أن المعرفة لا تحق لهم. ويبقى سؤال مهم هل يبيح الحق في الحصول على المعلومة بحسب القانون، نشرها وتوظيفها في وسائل الإعلام، أو شبكات التواصل الاجتماعي، فعلى سبيل المثال هل يسمح بنشر معلومات في مواقع التواصل الاجتماعي عن حالة فساد حصل عليها مواطن بموجب القانون من هيئة النزاهة تخص مؤسسة معينة أو وزيراً ما.
 في الختام ينبغي بذل جهود كبيرة للوصول إلى حكومة شفافة فعلا، فلا يجب أن يكون القانون حبرا على ورق، يروج للوصول إلى المعلومة اسما فقط، أو يبقى مسودة معلقة بسبب الفشل في تشريعه وتطبيقه مستقبلا، أو تكثر في الاستثناءات، فيطغي الممنوع على المسموح، أو يكون الموضوع برمته ظاهرة صوتية للاستهلاك الإعلامي، فالناس تبحث عن الانعتاق الحقيقي، فحيثما تكون الحرية يكون الوطن.

 عميد كلية الإعلام- جامعة بغداد