زيارة غروسي لطهران.. إحياء للاتفاق النووي أم لتفاهمات جديدة؟

آراء 2024/05/12
...

 محمد صالح صدقيان 

علی الرغم من أن مدير منظمة الطاقة الذرية الايرانية محمد اسلامي أعرب عن استعداد بلاده للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاجابة علی ما تبقی من أسئلة تطلبها هذه الوكالة، خصوصا ما يتعلق بالتلوث الاشعائي في موقعين خارجين عن نطاق الاشراف الدولي؛ إلا أن طهران تعتقد أن الوكالة تستجيب للضغوط، التي تمارسها جهات أجنبية، وتحديدا الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي

كثٌر الحديث خلال الاسابيع الماضية عن تفاهمات تمت بين طهران وواشنطن، بشأن إمكانية إحياء «الاتفاق النووي» الموقع عام 2015 بين إيران والمجموعة السداسية الدولية، بعد سلسلة مباحثات غير مباشرة علنية وغير علنية، تمت بأكثر من عاصمة إقليمية وغربية. هذا الحديث سمعناه قبل السابع من اكتوبر وسمعناه ايضا بعده؛ لكن يبدو أن ما كان بعد السابع من اكتوبر كان أكثر جدية، وإن كان امتداد للمباحثات، التي أسفرت عن صفقة تمت بين العاصمتين عبر منصة عمان، البلد الذي احتضن مباحثات مهمة منذ العام 2012 والتي اسفرت في محطة منها عن «الاتفاق النووي» عام 2015، وفي اخری صفقة تبادل المعتقلين عام 2023 وما بينهما من صفقات، لإطلاق سراح بحارة بريطانيين وآخرين امريكيين كانوا لدی الجانب الايراني، ومعتقلين كانوا لدی طهران أو واشنطن ؛ ولا أعتقد بأن مثل هذه الصفقات ستقف عند حد معين لحاجة جميع الاطراف لمثل هكذا تفاهمات، تستطيع حل العقد التي تسببها الاحداث والتطورات، التي تزخر بها منطقتنا المفعمة بالتوترات والأزمات. 

الأمر الجديد بهذا الملف الزيارة التي قام بها مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي لطهران الاسبوع الماضي، والمباحثات التي اجراها مع وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومساعده علي باقري، الذي يمسك بملف المفاوضات مع الجانب الأمريكي، اضافة إلی رئيس منظمة الطاقة الذرية الايرانية محمد اسلامي؛ لكن اللافت أننا سمعنا مرة أخری «الاتفاق النووي» مرة علی لسان غروسي، الذي اعرب عن أمله في احياء هذا الاتفاق ؛ واخری علی لسان اسلامي الذي اكد علی تمسك طهران بهذا الاتفاق ومحملا الجانب الامريكي الذي انسحب من الاتفاق عام 2018 مسؤولية تداعيات انهيار ذلك الاتفاق. 

وعلی الرغم من أن مدير منظمة الطاقة الذرية الايرانية محمد اسلامي أعرب عن استعداد بلاده للتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية والاجابة علی ما تبقی من أسئلة تطلبها هذه الوكالة، خصوصا ما يتعلق بالتلوث الاشعائي في موقعين خارجين عن نطاق الاشراف الدولي؛ إلا أن طهران تعتقد أن الوكالة تستجيب للضغوط، التي تمارسها جهات أجنبية، وتحديدا الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي، وتأخذ ما تطرحه هذه الجهات من شبهات بشأن البرنامج النووي الايراني كذريعة ومسلمات تطالب بها الجانب الايراني اجوبة عليها؛ في الوقت الذي تقول فيه ايران ان مثل هذه الشبهات يجب ان تطرح من فرق التفتيش التابعة للوكالة المذكورة والمتواجدة بشكل دائم داخل ايران، والتي لم تتحدث يوما في تقاريرها عن سلوك مغاير للطبيعة السلمية للبرنامج النووي الايراني. 

وهناك نقطة منهجية تطلبها إيران دائما لتعزيز التعاون الثنائي وهي ان بعض المعلومات السرية بشان البرنامج النووي الايراني يجب أن تبقی في اروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لكنها تصل بيد الكيان الاسرائيلي؛ كتلك المتعلقة بتفاصيل المباحثات التي يجريها مدير الوكالة الدولية مع الجانب الايراني أو المتعلقة بعمل المفتشين أو تلك المراسلات التي تتم بين الوكالة الدولية والجانب الايراني ؛ وهي نقطة لم تستطيع طهران من اقناع الوكالة بعدم تسريبها لجهة متورطة في استهداف البرنامج الايران، وتعمل من أجل تفكيك هذا البرنامج لأسباب سياسية أمنية وليس لأسباب فنية تقنية مهتمة بها الوكالة وتقع في صلب مهامها الدولية.

وفي جديد هذا الملف أيضا؛ التطورات التي تشهدها المنطقة وما رافقها من مواجهة عسكرية مباشرة بين ايران والكيان الاسرائيلي في عمليات «الوعد الصادق». وإذا علمنا أن مشكلة البرنامج النووي الايراني ليست بماهيته وإنما بمعارضة الكيان الاسرائيلي لهذا البرنامج؛ حيث ضغط الاسرائيلي علی الرئيس ترامب للانسحاب من «الاتفاق النووي»، وعندما تم الانسحاب في العام 2018 كان «كرمال عيون» نتنياهو واللوبي اليهودي الذي اراد انهيار هذا الاتفاق منذ ان ولد في يوليو / تموز عام 2015 ؛ وهو الاستحقاق الذي اعطاه ترامب مقابل دخوله البيت الابيض في نوفمبر 2016.

الآن هل هناك ما يلوح في الأفق إمكانية إحياء «الاتفاق النووي»؟ هل أن تفاهمات جديدة بين طهران وواشنطن ستكون مطروحة علی الطاولة بعد انتهاء حرب غزة؟ مصدر إيراني يجيب بنعم ويعتقد أن هذه الإجابة، ربما تنطبق ايضا علی غير هذه الاسئلة المتعلقة في العلاقة بين طهران وواشنطن، لكنه يقول إن الكرة ليست في الملعب الايراني وإنما في الملعب الأمريكي.

وفي حقيقة الامر فان مفعول «الاتفاق النووي» انتهی عندما تخلت الدول الغربية عن التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاق وتحديدا المانيا وفرنسا وبريطانيا بعد انسحاب الولايات المتحدة؛ وما يدفع للتفاؤل هو حاجة ادارة الرئيس بايدن لتفاهمات مع ايران تخدمه قبيل الانتخابات الرئاسية، التي تجری في نوفمبر القادم مقابل حاجة ايرانية لازالة العقوبات الاقتصادية المفروضة علیها، وتحديدا ما يتعلق بالتحويلات المالية والتعاون البنكي؛ وهذا ما تعمل عليه المحطة العمانية التي ما زالت شغالة بهذا المجال.

وفي هذا الاطار لا بد من التنبيه لعامل مهم هو الوضع الامني وما كان يسببه «الاتفاق النووي» من تهدئة لجميع الأوضاع الشرق أوسطية، لكن الجنون الاسرائيلي وتحديدا ما يدور في عقل نتنياهو هو الذي سبب كل هذه التطورات، حيث كان يعتقد أن انهيار هذا الاتفاق سيحمي الأمن القومي الاسرائيلي، لكنه اخطأ كما في مراته السابقة، من أن البرنامج النووي الايراني والاتفاق م، ربما يكون ضمانة للأمن الاقليمي

 والعالمي.