طالب سعدون
مرت قبل ايام مناسبة عيد العمال ( 1 - 5 ).. كانت مناسبة عابرة، لم تكن بتلك الهالة والفخامة والإعداد لها مبكرا أيام زمان، وحضور كبار المسؤولين وإلقاء الكلمات في المسيرات، التي ينظمها العمال.. ليس أكثر من يوم لتعطيل العمل يضاف إلى العطل الأخرى، التي تؤثر في الإنتاج وتحذف يوما من التطور الذي تتبارى الدول فيه.
من الناحية القانونية والمادية لم يعد للمناسبة تأثير، لأن هناك تشريعات وقوانين محلية على مستوى الدول بمختلف أنظمتها والمنظمات الدولية والمحلية بمختلف تخصصاتها، تضمن ليس حقوق العمال فقط، وإنما تحقق حالة الاستقرار والانسجام بين العامل ورب العمل، وتنهي الصراع بينهما، بسبب عدم تحديد ساعات العمل، فقد حددت بقانون ملزم، وهي الصرخة الأولى للعمال التي كانت الأساس لهذا اليوم العالمي، إضافة إلى الحوافز والمكافآت والرواتب، التي تحدد بضوء الانتاجية وأرباح المعامل.
وللأمانة لم تعد الدول قادرة على توظيف الأعداد الكبيرة من العاملين، بضمنهم خريجو الكليات والمعاهد والمدارس فاتجهت إلى تشجيع القطاع الخاص والشركات المتوسطة والصغيرة، ووصلت نسبتها في التوظيف في بعض الدول إلى نحو تسعين بالمئة من العاملين.. كما اثبتت الدراسات العالمية أن النمو الاقتصادي للدول يعتمد على نشاط شركات القطاع الخاص، الذي يوفر مبالغ كبيرة تكفي لرواتب العاملين فيها والمساهمة بنسبة من رواتب موظفي الدولة من خلال الضرائب.
القطاع الخاص اليوم شريك أساسي في العمل والإنتاج والموارد المالية.. ولذلك تبنت الدول مهمة تشجيعه بشركاته الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، ليس من خلال نسبة الضرائب المعقولة فقط، بل من خلال القوانين والتشريعات التي تشجع القطاع الخاص بكل مستوياته وتضمن حمايته.
قياس التطور ليس فقط في أن تأكل الدولة من إنتاج أبنائها وخيرات أرضها فقط، بل كذلك التي لها مكان متميز بين الدول في الإنتاج والاقتصاد ولها علامة إنتاجية متميزة في العالم ودور مؤثر فيه.
القياس ليس أن تفخر الدول بما تحصل عليه من عائد النفط، وكأنه من إنتاجها أو من إنتاج أبنائها، بل هو ثروة وقتية ملك لكل الأجيال وينبغي أن يستثمر استثمارا أمثل في التطور والبناء وبعكسه ينتظرها مستقبل لا تحسد عليه..
العمل مقياس التطور فإذا لم يكن هناك (عمل) ليس هناك إنتاج بالتأكيد، و تتحول البلاد إلى مستهلك وتعتمد على ما تستورد من الآخرين، لتأكل لكي تعيش وتكون عبئا على العالم في تلقي المساعدات.
العمل قوة للوطن وليس للفرد فقط، ولذلك فانه بدون (عمل ومعمل) تتحول المناسبة إلى (أطلال) وآثار من ماض قديم جميل، و(طقس) جامد يتكرر بشكل روتيني كل عام، بلا معنى أودلالة له في الحاضر، مجرد ذكرى لفكرة انطلقت من استراليا عام 1856 ومنها إلى شيكاغو ومدن أمريكية، ومن ثم إلى كندا والى جميع أنحاء العالم، بعد أن قدموا التضحيات الكبيرة ليصبح بعدها الأول من آيار - يوما عالميا.
باختصار: بدون عمل يتحول هذا التاريخ إلى (ذكرى) خالية من المضمون.
العمل يعطي للمناسبة قيمتها ويكون فرصة للأجيال على تعاقبها للتذكير بقيمة العمل في الحياة، ودور العامل في الانتاج، وتسلسله المتقدم في عملية التطور، وحصته المتميزة في المعالم الكبيرة، التي تحتضنها البلدان وكونه (أساس البناء ) الذي يعلو والتقدم المستمر.
المعامل ليست ورش إنتاج فقط، هي بل مراكز مهمة لاستقطاب الشباب، ومن له قدرة على العمل، بدلا من أن تلفهم البطالة، وتتحول أيامهم إلى عطل دائمة وتحرم البلاد من طاقات جبارة، تهدر في غير مجالاتها الطبيعية، واستهلاك الوقت والعمر في أمور لا تناسبهم.