د. رحمن لوعان محسن الجوذري
لا يختلف اثنان على أن عملية بناء الأمة في مراحل الصراع يكتنفها صعوبات وتحديات عدة، منها هشاشة مؤسسات الدولة وأجهزتها، والمشكلات الاقتصادية، وآثار الصراع الاجتماعية على المستويات المختلفة. وربما يلتبس الامر على البعض في التفريق بين مصطلحي بناء الأمة، وبناء الدولة. وفي ذلك يمكن القول ببساطة شديدة أن مصطلح {بناء الدولة} يعني الخطط والاستراتيجيات لإعادة بناء مؤسسات وأجهزة الدولة، أو ما يعرف بالبيروقراطية.
أما مصطلح بناء الامة فيرتبط أساساً بخلق هوية ثقافية لمنطقة أو دولة معينة. هذا من الناحية النظرية، ولكن كيف يمكن تحقيق هدف بناء الدولة والامة، وما هي العلاقة بين الاثنين.
على الرغم من أن معظم المنظرين يتفقون على أن أجهزة الدولة ومؤسساتها التي تعمل بشكل مهني وكفء هي شرط مهم وعنصر ضروري لإنماء وبناءالأمة، فهناك قطبان رئيسيان لمنظور بناء الأمة.
أولهما يساوي بين بناء الأمة وبناء الدولة، ويعتمد العملية التي يتم تنظيمها من الخارج لتعزيز الأمن الدولي. أما المنظور الثاني فيعرّف بناء الأمة بأنه عملية تلقائية، لا يمكن تحقيقها إلا من خلال جهات داخلية فاعلة، تركز في تطوير الهوية الوطنية، إذ لا تلعب الجهات الخارجية أي دور في هذا الصدد لأن ممارسة النفوذ الخارجي سيكون بمثابة تدخل تخريبي في السيادة الوطنية للبلاد. وينصب الاعتماد في ذلك على أجهزة الدولة ومؤسساتها الفعالة في بناء الدولة. ويمكن للجهات الفاعلة الخارجية أن تجعل بناء الأمة أسهل أو أصعب، لكنها لا تستطيع أبدا فرضها أو منعها بما يتعارض مع رغبات المجتمع الأوسع.
ويشير بعض المحللين إلى أن الجماعات العرقية القومية المتطرفة داخل دولة ما عادةً ما تكون متحمسةً لموضوع بناء الأمة بهدف رفع مستوى التشدد المتناسب مع تطلعاتها إلى أن تصبح دولة خاصة بها. وبهذه الطريقة فإن تماسك الدول المتعدد الأعراق “الهشة” يؤدي إلى تقويض عملية بناء الأمة، وبالتالي تقويض عملية بناء الدولة. وإن النزعة القومية القوية التي سادت مختلف المجموعات العرقية في العراق بعد عام 2003، أدت إلى خلق الخلافات وزرع حالة من عدم الثقة بين الأطراف المعنية، وقوض عملية بناء مؤسسات الدولة لسنوات عدة.
ويضع المختصون تسلسلاً هرمياً تقريبياً لعناصر بناء الأمة بحسب أهميته: الجهود الأمنية والإنسانية والإغاثية؛ تعزيز الحكم؛ الاستقرار الاقتصادي؛ التحول الديمقراطي؛ التنمية والبنية التحتية، والحد من الفقر. وهذا يعني انه لأجل بناء الأمة يتعين استخدام القوة كجزء من جهد أوسع لتعزيز الإصلاحات الامنية والسياسية والاقتصادية بهدف تحويل المجتمع الخارج من الصراع إلى مجتمع يعيش في سلام مع نفسه ومع جيرانه.
وقد أصبح واضحاً ان البرنامج الحكومي لحكومة السيد السوداني، من خلال تركيزه على العناصر الاساسية المذكورة اعلاه، قد استهدف بشكل ناجح أهم ركائز عملية بناء الامة وتعزيز الشعور بالانتماء تلقائياً وبصورة عملية، إذ يتلمس المواطن بشكل يومي جهود الحكومة في موضوع الامن الذي شغله وعانى منه لسنوات طويلة، ويشعر كذلك بالارتياح من نتائج الاصلاحات الاقتصادية في استقرار السوق وانخفاض نسب التضخم وتعزيز قيمة العملة وتحقيق الاكتفاء الذاتي لبعض السلع الاساسية، والمضي بالنهج الديمقراطي ونجاح الحكومة في تنظيم الانتخابات المحلية في جميع المحافظات العراقية، عدا محافظات اقليم كردستان، وكذلك متابعة الاستعدادات اللازمة لاجراء انتخابات اقليم كردستان، ونجاح الحكومة في دعم الفئات الهشه والفقيرة من المجتمع وشمول الملايين من الأسر بدعم الرعاية الاجتماعية، فضلاً عن ما تشهده العاصمة وعموم المحافظات من نهضة عمرانية واسعة غير مسبوقة، وتنفيذ المشاريع التنموية الاستراتيجية الكبيرة الواعدة وعلى رأسها مشروع طريق التنمية، مما يفتح آفاقاً واسعةً للتفاؤل نحو اعادة بناء الامة العراقية وتعزيز الشعور الوطني والفخر للانتماء لهذا الوطن المعطاء في كل شبر من ارضه المقدسة.