بشير خزعل
في نادرة سمعتها صدفة وأنا أتحرى عن شواهد قبور في مقبرة وادي السلام بمدينة النجف الاشرف، كان الحديث يجري بين اثنين ممن يمتهنون دفن الموتى، يجلسون على أريكة قرب جدار متهالك، وأحدهم يقول للآخر، الرزق شحيح منذ اسبوع، فاجابه الثاني (الناس ما تموت هاي الايام )، فقادني الفضول والاستغراب إلى التدخل في حوار المنتقد لاسلوب حديث يدعو إلى موت الناس من أجل الاسترزاق والحصول على المال، فابتسم الرجل الاكبر سنا وكان قد تجاوز الستين عاما ببضع سنوات ثم قال: هذه هي الدنيا، حياة ثم فناء، ونحن ايضا سنكون رزقا لآخر يقوم بدفننا ليحصل على معاش قوته اليومي، استوقفتني في معنى الحديث كلمة (الرزق )، هل في الموت رزق ايضا؟ لست مضطلعا في أمور الدين، لكن خبرة الحياة والثقافة الشخصية قادتني إلى أن التفكير في الموت هو أيضا مرحلة مهمة في حياة الانسان ليفكر في ما سيتركه من اثر في نفوس الأصدقاء والمحبين ممن كانوا في دائرته الضيقة وحتى المبغضين المنهم، الارث الذي يتركه الانسان من بعد موته لايبقى منه سوى المنجز الذي تحقق خلال فترة حياته، فهناك من يعمل بصمت واخر يملاء الدنيا ضجيجا من دون اي فائدة ترجى، في ايامنا الحالية، أصبح الموت والنسيان أكثر من حالة كونها طبيعية جدا، لكن هذا النسيان والتجاهل هو علامة من علامة تفكك الروابط الاجتماعية وانحلال لمنظومة القيم الاخلاقية التي تنظم دائرة الكون في هذه الدنيا، أن يرزقك الله بمحيط عائلي من اصدقاء ومحبين وزملاء، يمكنهم التجرد من البغضاء والكره والحقد البشري في ساعات المحنة هو خير رزق من آخر قائم على المجاملات والمصالح الضيقة، فالأول يفضي إلى روابط متينة ثمرتها الابداع والمثابرة والآخر يؤدي إلى تفاهات لا أول لها ولا آخر، أن تقيم الناس واعمالهم على هواك وانت الغشيم بعين الآخر مردوده لك، وأن تترك الامور لمن هو أحق في التقييم والتقويم سيرفع من شانك، قرار الجاهل ياتي بما يلامس شعوره من عناوين قريبة وبعيدة عن هواه، وقرار العالم بما يرى من شواهد وادلة تؤدي إلى نتيجة واضحة المعالم بعيدا عن الشخصنة، رزق الموت هو ان تترك الحياة وانت على يقين بانك لم تؤذِ ولم تظلم إنسانا، حسن العاقبة هو افضل الرزق وخير من ذلة أرذل العمر، والرزق على الموتى أفضل بألف مرة من الاسترزاق على حساب حقوق وحياة الابرياء
والمظلومين.