محمد حسن الساعدي
الرغبة الشديدة لدى بكين وواشنطن في تأمين النفط والغاز لهما ولحلفائهما وحرمان الخصوم منها، فإن شركات النفط الصينية والامريكية ستبقى بمثابة مراكز القوة في الاسواق الاقليمية، والتي هي أصلاً مهيأة تماماً للتأثير على الأسواق العالمية، من خلال الاستفادة من الصراع والمنافسة المحتدمة ين الصين والولايات المتحدة، والاستفادة من قوتهما المالية بشتى الطرق مستقبلاً.
مع حالة عدم الاستقرار بين قطبي العالم(الصين- امريكا) تتسارع الأحداث بينهما في ظل تسارع خطوات بكين في تصدر المشهد الاقتصادي للعالم، فمن المرجح أن يشكّل هذان المحوران بعداً جديداً في منطقة الشرق الأوسط، ومستقبل المنافسة بينهما في المنطقة، حيث إن هناك سيناريوهين محتملين:
الأول: طبيعة العلاقة بين دول المنطقة، وإمكانية أن تتحرر هذه الدول من هيمنة الدول العظمى عليها، وتحرير الاقتصاد العربي وإيجاد اتفاقات جديدة، من أجل نهضة اقتصادية تتسق وطبيعة جغرافية المنطقة، من خلال التكامل الاقتصادي والسياسي والوظيفي، لأن حالة عدم الاستقرار التي تعاني منها منطقة الشرق الأوسط جعلت منها أرضا خصبة للصراع وإثارة الخلافات المستدامة بطعم المذهبية، ما جعلها بعيدة عن محاكاة الفوائد العملية الممنوحة للدول الكبيرة والأعضاء في الكتل الكبيرة كالاتحاد الأوروبي وغيره.
الثاني: الدعم اللامتناهي للجماعات المسلحة التي أخذت بتوسيع رقعة نفوذها في منطقة الشرق الاوسط، وقيامها بحروب بالوكالة واستخدام المال، من أجل معارك خاسرة لانهاية لها، متجاهلة بذلك أي حق للإنسان في العيش بكرامة، واستغلال الخصومات السياسية، من أجل توسيع رقعتها ونفوذها، وما حصل من دخول عصابات داعش لهو خير دليل على هذا الصراع بالوكالة، ورفعها لشعارات الطائفية والقومية لتحقيق غايات وأهداف، ما يعني أن القوى الغربية استغلت هذا الانقسام الحاد من أجل توسيع رقعة سيطرتها وتحقيق مآربها في النفوذ والسيطرة على منابع النفط في المنطقة.
الرغبة الشديدة لدى بكين وواشنطن في تأمين النفط والغاز لهما ولحلفائهما وحرمان الخصوم منها، فإن شركات النفط الصينية والامريكية ستبقى بمثابة مراكز القوة في الاسواق الاقليمية، والتي هي أصلاً مهيأة تماماً للتأثير على الأسواق العالمية، من خلال الاستفادة من الصراع والمنافسة المحتدمة ين الصين والولايات المتحدة، والاستفادة من قوتهما المالية بشتى الطرق مستقبلاً. مع التحول الاقتصادي إلى الأتمتة في المجال النفطي، تعمل الدول النفطية على زيادة التنوع الاقتصادي، سواءً في قطاعات التكنولوجيا الحديثة، والاستفادة من ثرواتها أيضاً لتمويل مشاريع الطاقة الصديقة للمناخ وغيرها من المجالات الاقتصادية الأخرى، التي يمكن أن تكون حجر الصد في حمايتها من الهيمنة الغربية، والتي بالتأكيد ستكون المصدر المهم لهذا النوع من الاقتصاد، بحكم الثروة النفطية ورؤوس الاموال الكبيرة التي تمتلكها، بالاضافة إلى شبكات النقل الجديدة وطريق التنمية، الذي سيدخل حيز التنفيذ قريباً والامدادات اللوجستية لقطاع النقل والنفط تزيد من أهمية المنطقة جيوسياسياً وتفتح الآفاق أمامها، لتكون قبلة العالم من جديد.
بكين بدأت فعلاً بالتحرك نحو الشرق الأوسط، مستغلة بذلك حالة الصراع في روسيا، وانشغال واشنطن بالوضع في فلسطين وتحديداً في غزة، وشعورها أنها فشلت في تحقيق اهدافها التي وضعتها في غزة، وأولى حركات الصين هي الحركة المفاجأة والناجحة بالوساطة بين إيران والسعودية عام2023، والتي نجحت في إعادة العلاقات بين البلدين وهو لم يكن سوى البداية في التحرك نحو المنطقة، كما هو الحال في استشعار دول المنطقة كإيران والامارات والسعودية ومصر وأثيوبيا، بضرورة إيجاد أرضية جديدة للقوة في المنطقة من خلال أنضامهم لمجموعة دول البريكس، ما يجعل واشنطن في موقف الضعف وعدم قدرتها على الاتساق في سياسات دول المنطقة، ويجعل الأخيرة تفضل التعامل مع الصين، في حين يبقى حلفاء واشنطن كإسرائيل وتركيا وغيرها مرتبطين بالغرب سياسياً واقتصادياً، رغم انهم يعملون على موازنة علاقاتهم بين الشرق والغرب.
ستبقى منطقة الشرق الأوسط من أهم مناطق استقطاب الاستثمارات الاجنبية والاكثر تسارعاً في التجارة وطريق التنمية يعد الخطوة الاولى نحو هذا التكامل وتنشيط الاستثمار في مجال الطاقة المتجددة القابلة للتصدير، بالاضافة إلى الصناعات التحويلية التي ستجد ارتباطها الآني مع الصين، يتعمق شيئاً فشيئاً خصوصاً مع بدء بكين بالتحول نحو الاقتصاد الاخضر، ما يعني أن الشرق الأوسط الجديد ليس كالسابق، وبدأ يتحرك نحو التحرر من الهيمنة، وبدأ يلد لنا قطبا جديدا ينافس القطب الآخر ويهدد استقراره ووجوده في المنطقة.